الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادي اول 1446 هـ

شبهات وردود

شبهات تنظيم الدولة وأنصاره والرد عليها: الشبهة العاشرة: تنظيم (الدّولة) هو الوحيد الذي يُطبق الشريعة ويقيم الحدود !

17 رمضان 1437 هـ


عدد الزيارات : 3865
عماد الدين خيتي

 

 


تقول الشُّبهة:

تنظيمُ (الدّولة) متمسكٌ بالتحاكم للشريعة؛ لذا فإنَّه عمِلَ على تطبيق الحدود الشّرعية في مناطق نفوذه، وطهّرها مِن اللّصوص والمجرمين، وهو يرفض التّحاكمَ لمحاكمَ غيرِ واضحةِ المنهج، أو لا تكفِّر الكافر، وهذا دليلٌ على صحّة منهجه، وصدقِه في تطبيق الشريعة.

الإجابة عن هذه الشّبهة:

  • أولًا:

عندما سيطرت الفصائلُ والكتائبُ على عددٍ مِن المناطق وحرّرتها: كان مِن أول الأعمال التي قامت بها تأسيسُ محاكمَ شرعيّةٍ عديدة، قامت بتسيير أمور الناس والفصل بينهم، فحازت على رضا النّاس وثقتهم، وكانت مثالًا يحتذى به.

ولم يَخلُ عملُ هذه المحاكم مِن ضعفٍ أو وجودِ بعض الأخطاء، كما هو حال سائر المؤسسات الثورية؛ نتيجةً لظروف الحرب، ونقص الكوادر والإمكانات، لكنّها قائمةٌ على أساس تطبيق الشريعة الإسلامية.

وهذه المحاكمُ أسبق في التأسيس، وأكثر انتشارًا مِن محاكم تنظيم (الدّولة).

فالادّعاءُ أنّ تنظيمَ (الدّولة) هو وحده مَن قام بتحكيم الشّريعة ادعاءٌ باطل غير صحيح.

  • ثانيًا:

أنَّ إقامةَ الشريعة في المناطق المحررة جرى بطريقةٍ صحيحة وفق فتاوى الجهات الشّرعية المعروفة بمنهجها وعلمائها، حيث:

  • فُتحت أبوابُ الدّعوة إلى الله في المساجد وغيرها، وافتُتحت الدّورات الشّرعية، وحلقات تعليم القرآن؛ لرفع الجهل عن النّاس المفروض عليهم منذ عقود.

  • أُقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن كان مِن الجرائم عند النّظام؛ فعومل النّاس بالتّدرج، وأُخذوا بالرفق، والتعليم، وأُشيعت بينهم الفتاوى التي تتعلق بالنّوازل.

  • أُقيمت دورات ومعاهد لتأهيل وتخريجِ الدّعاة، والقضاة، وفق مناهج معروفة، ومِن علماء وطلبة علم ثقات معروفين؛ لملء الفراغ الحاصل في المناطق المحرّرة.

  • حُورب الفسادُ بجميع صوره، ومُنعت الرّشوة، واستغلال النّاس، وقُضي على ما أمكن القضاء عليه مِن عصابات السَّلب والنّهب.

  • حُكِّم شرعُ الله –سبحانه- في المحاكم بدلًا مِن القوانين الوضعية الظالمة المفروضة مِن النّظام.

  • طُبّقت العقوبات والحدود الـمُتعلِّقة بحقوق الآدميين، كالقصاص، وحدِّ الحرابة، وجرى تأجيلُ تطبيق العقوبات المتعلقة بحقّ الله تعالى، كما سيأتي بيانه، مع إيقاع عقوباتٍ بديلةٍ، والاستمرار بالتّعليم.

  • سعت الهيئاتُ الشّرعية للتّنسيق فيما بينها في الجهود الدعوية، والشرعية، وسعت المحاكم للتنسيق فيما بينها في الأمور القضائية، وكُلِّفت الفصائل العسكرية بتأمين الحمايةِ لها، وأُخذ عليها التّعهد بتنفيذ أحكامها.

وهذا كلُّه مِن إقامة شرع الله –تعالى- في الأرض(أ- جهاد خيتي)..

قال القاضي أبو بكر ابنُ العربي -رحمه الله- في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:14]:

"وكأنَّ المعنى: ووصّيناك يا محمّدُ ونوحًا دينًا واحدًا، يعني في الأصولِ التي لا تختلف فيها الشّريعةُ، وهي: التّوحيد، والصّلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، والتّقرّبُ إلى الله تعالى بصالح الأعمال، والتزلّفُ إليه بما يردُّ القلبَ والجارحةَ إليه، والصّدقُ، والوفاءُ بالعهد، وأداءُ الأمانة، وصِلةُ الرّحِم، وتحريمُ الكفر، والقتلِ، والزّنا، والإذايةِ للخلق كيفما تصرّفت، والاعتداءِ على الحيوان كيفما كان، واقتحامِ الدّناءات، وما يعود بخرْمِ المروءات"أحكام القرآن (4/89)..

  • ثالثًا:

تطبيقُ تنظيم (الدّولة) للأحكام الشرعية يعتريه العديدُ مِن الأخطاء، مِن أهمّها:

1. حصرُ مسألة إقامة الشّريعة في تطبيق بعض الحدود الشرعية، وتضخيم الحديث عنها، والمبالغة في تصويرها، ونشرها بين النّاس، وجعلها دليلًا على إقامته للشّرع، بينما إقامة الشّريعة أعمُّ مِن إقامة بعض الحدود والعقوبات، بل قد يكون مِن الشّرع عدمُ تطبيق بعض الحدود في بعض الأحوال كما سيأتي.

2. عمل التّنظيمُ على إقامة الحدود التي هي مِن حقّ الله تعالى، كحدِّ السرقة، في أيّ بقعةٍ يصل جنودُه إليها، ولو لم يستقرّ لهم الأمرُ فيها، وفتاوى جمعٍ مِن أهل العلم على عدم إقامة هذه الحدود في الحرب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُقْطَعُ الأيْدِي في الغَزْوِ)أخرجه الترمذي (4/53، برقم 1450)..

قال الترمذي: "والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي، أن لا يقامَ الحدُّ في الغزو بحضرة العدوِّ، مخافةَ أنْ يلحق مَن يُقام عليه الحدُّ بالعدو"المصدر السابق..

وفي سنن سعيد بن منصور: أنّ عُمرَ بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى النّاس: "أنْ لا يجلدنّ أميرُ جيشٍ ولا سريةٍ رجلًا مِن المسلمين حدًّا وهو غازٍ حتى يقطع الدّربَ قافلًا؛ لئلّا تحمله حميّةُ الشّيطانِ، فيلحقَ بالكفّار"أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/235، برقم 2500)..

كما اكتفى سعدُ بنُ أبي وقّاص بحبس أبي محجن -رضي الله عنهما- لما شرب الخمر في القادسية، ولم يجلده. قال ابن القيم رحمه الله: "فهذا حدٌّ مِن حدود الله تعالى، وقد نهى عن إقامته في الغزو خشيةَ أنْ يترتَّب عليه ما هو أبغضُ إلى الله مِن تعطيله أو تأخيره، مِن لحوق صاحبه بالمشركين حَمِيَّةً وغضبًا"أعلام الموقعين (3/13).. وبهذا صدرت فتاوى الهيئات الشرعية المختلفة في سوريةينظر فتوى: هل تقام الحدود والعقوبات في المناطق المحررة من سوريا في الوقت الحالي؟ http://islamicsham.org/fatawa/1423..

وحتى لو اعتقد التنظيم خطأَ هذه الفتاوى، فإنَّ اعتقاده أنَّه هو الوحيد الذي يحكم بالشرع بسبب هذه المسألة هو من الغلو. ولو كانَ عدمُ تطبيقِ بعضِ الحدود في أوقات أو مناطق النزاعات والحروب أمرًا محرَّمًا فإنَّ التكفيرَ به هو من التكفير بالذنوب، وهو فعل الخوارج الأولينَ حذوَ القذّة بالقذّة.

3. ثبت بالبرهان والدّليل القاطع عدمُ أهلية قضاة محاكم التّنظيم للقضاء؛ وذلك لأنهم مجاهيل الحال، غيرُ مشهودٍ لهم بالعلم، والقدرة على القضاء، بل ثبت أنَّ كثيرًا منهم قليلُ العلم، بدلالة تطبيق الأحكام بطريقةٍ غير صحيحة، ومِن ذلك:

  • تطبيق حدِّ السّرقة في حال المجاعة، ومِن المعلوم أنه لا يقام حدُّ السّرقة في المجاعة، ولا تخفى شدّةُ الحاجة والفقر التي يعيشها النّاس في سورية بسبب ظروف الحرب والحصار.

  • تنفيذ قطع يد السارق بالساطور، وما فيه مِن تعدٍّ على الحدّ المشروع بتهشيم عظم السّاعد، بينما الطريقة الشرعية هي قطع اليد بالسّكّين مِن المفصل.

  • التّعذيب الشديد للكثير مِن المعتقلين بما يشابه أفعال النظام المجرم، مما أدّى لموت العديد منهمينظر مقال: تعليق على إقامة تنظيم الدولة حد السرقة في ريف حلب http://syrianoor.net/revto/8358..

  • الجور الشّديد والظّلم في الأحكام الشرعية، كالحكم على العديد من المسلمين بل وقادة المجاهدين بالرِّدَّة والكفر، وتعذيبهم وقتلهم بذلك، بشُبهاتٍ واهيةٍ لا تُعدُّ مِن أسباب الكفر، كالتّعامل مع الكتائب الأخرى المخالفة للتّنظيم، أو موالاة الكفّار، ونحو ذلك، والحكم بمصادرة أموال وممتلكات النّصارى.

  • تطبيق العقوبات بصورٍ تأنف منها النّفوسُ السّوية، كاتخاذ الذّبح عادةً في إعدام الكثير ممّن حُكم عليهم بالإعدام، وادعاء أنّ ذلك سنّة نبوية، مع جمعِ الناس لها، وتصوير ذلك، والتباهي به، والعبث بالرؤوس والجثث.

مع أنّ الأدلة الشرعية تنهى عن هذا الفعل القبيح، ولم يثبت في ذلك نصٌّ شرعي، فـ "القتلُ ذبحًا طريقةٌ لم تُعهد عن المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومَن بعدهم مِن أهل العلم والقضاء؛ فنِسبةُ هذا الأمر إلى السّنّة منكرٌ مِن القول، وادعاءٌ بلا علم.

وإنما عُرفت هذه الطريقة في القتل عن الخوارج الأولين، كما جاء في كتب التاريخ والسِّير أنهم : "ذبحوا عبد الله بن خبّاب -رضي الله عنهما- كما تُذبح الشاة، ثمّ قرّبوا أمّ ولده، فبقروا عمّا في بطنِها "، فهي سنةٌ خارجية، لا سنةٌ نبوية"ينظر فتوى: ما حكم ذبح أسرى الأعداء بالسكين؟ وهل هو فعلًا سنة نبوية يمكن اتباعها؟ http://islamicsham.org/fatawa/1990..

ثم ظهر التّفنُّن في القتل بالحرق، أو الإغراق، أو التّفجير وغيرها، مما لم يظهر إلا عند كبار الطّغاة والمجرمين. ولم يتوقف الأمرُ عند مجرد الذبح أو القتل بهذه الطرق الشّنيعة، بل رافقه تعذيب المقتولين بالقول والفعل، وتهديدهم بالذّبح، والسخرية منهم قبل ذلك، ومنع المعتقلين، والمقتولين مِن الصّلاة؛ بزعم أنهم مرتدين لا يستفيدون مِن صلاتهم! أو حلق لحاهم.

وحمل الرؤوس والعبث بها، ونصبها، والتّباهي بها، وتصويرها، وركلها بالأقدام، والسّخرية بها، فأيُّ شرع هذا الذي يقام؟؟ وأسوأ ما في الأمر: أنّ مِن ضمن المذبوحين -ردّةً كما زعموا!- خيرة المجاهدين والدّعاةوللوقوف على بعض هذه الجرائم ينظر موقع: جرائم دولة البغدادي http://jaraem.kfasad.cf/، وهو موقع يهتم بتوثيق أغلب جرائم التنظيم بالوثائق، والأشرطة المرئية، والمسموعة سواء كانت صادرة رسميًا عن مؤسسات التنظيم، أو بطريقة غير رسمية عن أفراد من التنظيم، علمًا أنَّه دائم الحذف والتجديد على الشبكة..

4. عطَّل التنظيمُ تطبيقَ أحكام العقوبات على كثيرٍ مِن المجرمين وقطّاع الطرق بمجرّد مبايعتهم للتّنظيم، فقد ثبت انضمامُ عددٍ غير قليلٍ مِن المجرمين إلى تنظيم (الدّولة) بهدف حماية أنفسهم مِن محاسبة المحاكم الشرعية والفصائل الأخرى، وقد قدّم لهم التّنظيمُ الحمايةَ مقابلَ البيعة، فتعطَّلت بذلك الأحكام، وضاعت حقوقُ العباد، ثم تسلّط هؤلاء على الشّعب مرّةً أخرى بالأساليب والأفعال نفسها باسم الدّين والشّرع!

  • رابعًا:

قد يحتجّ قائلٌ: بأنّ تنظيمَ (الدّولة) قضى على اللّصوص وقطاّع الطّرق في تلك المناطق بما لم تستطع بقية الكتائب فعله !

والجوابُ أنّ:

  1. القضاء على اللّصوص وقطاّع الطّرق قامت به جميعُ الفصائل حسب القدرة والمتاح. وانتشار أعمال الفوضى مِن طبيعة الثورات، ويحتاج علاجُها لصبرٍ وتؤدة ووقت، خاصة مع انشغال الفصائل في حرب النّظام بما يستنفد أكثر طاقتها، بينما كان التنظيم متفرغًا لما يحقّق له بسط نفوذه في المناطق المحررة، وشراء الولاءات، وإخضاع المناطق.

  2. ما ظهر للنّاس مِن أنّه قضاء تنظيم (الدولة) على اللّصوص وقطّاع الطرق هو في حقيقته انضمام الكثير مِن هؤلاء للتنظيم مقابل العفو عنهم، وتسلمهم لزمام الأمور الأمنية والتّحقيق والاعتقال، فزادت نسبةُ الانحراف والظّلم في التّنظيم، وأصبح عملُ هؤلاء المجرمين منظّمًا، يُمارَس باسم الشّرع والدّين، وتحت حماية تنظيم (الدولة) وحصانتها، وقد تكرر هذا في كل من سورية، وليبيا، واليمن، وغيرهاحاول التنظيم تبرئة نفسه مِن ذلك بمحاسبة بعض أتباعه لإظهارِ أنَّه يطبق الشرع على الجميع، إلا أنَّ هذا لا يعدو أن يكون تطبيقًا على صغار المجرمين، وما زال كبارهم في مناصبهم القيادية يأسرون ويعذبون ويقتلون، وهم يمثلون ركنًا أساسيًا في قيادات التنظيم..

  3. وعلى فرض قيام التّنظيم بالقضاء الفعلي على بعض جماعات اللّصوص، فإنَّه في سبيل ذلك قد انتهك حرمات كثيرٍ مِن الأبرياء، وقضى على كثيرٍ مِن المجاهدين والدّعاة باتهاماتٍ باطلة، فما قيمةُ القضاء على بضع لصوص أمام الفتك بعشرات المجاهدين والدّعاة والقادة؟!

عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده، لقتلُ مؤمنٍ أعظمُ عند الله مِن زوال الدّنيا)أخرجه النسائي (7/82، برقم 3986)..

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: (رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقولُ: ما أطيبَك وأطيبَ ريحَكِ! ما أعظمَك وأعظمَ حرمتَكِ! والذي نفسُ محمّدٍ بيده، لحرمةُ المؤمن أعظمُ عند الله حرمةً منك، مالِه ودمِه، وأنْ نظنَّ به إلا خيرًا)أخرجه ابن ماجه (5/85، برقم 3932)..

بل إنّ النّظام المجرم كان يبسط نوعًا مِن الأمن على البلاد قبلَ الثّورة، وكذلك تفعل الدّول غيرُ المسلمة، فهل هذا يدلّ على صحّة منهجه؟!

  • خامسًا:

يرى تنظيمُ (الدّولة) أنَّ لا محاكم شرعية إلا محاكمه، ويرفض نتائجَ أيِّ محاكم أخرى للنّظر في الخلافات التي حدثت بينه وبين التّنظيمات الأخرى، فحصر التّحاكم إلى محاكمه، وتجاهل محاكم الآخرين، وهو بذلك يرى أنَّ تنظيمه الوحيد المخوّل بالحديث باسم الشرع وتفسيره وتطبيقه. والمحاكم التي رفض تنظيم (الدولة) التحاكمَ إليها كانت مِن خارج التنظيمات والفصائل التي يختلف معها، ومِن شخصيات حيادية مستقلّة، بل ومِن (تيار السلفية الجهادية) الذي ينتمي إليه التّنظيم! وقد طُلب مِن التّنظيم اقتراحُ الأشخاص الذين يرغب في أن يكونوا في المحكمة، لكنّه رفضوقد صرَّح العديد من زعماء التنظيم والمحسوبين عليه أثناء النقاشات والحوارات أنَّه لا حلّ إلا بمبايعة التنظيم والقبول بمحاكمه؛ لأنَّه هو الدولة، وما سواه مجرد تنظيمات..

وفي تصرفات التنظيم هذه تعطيلٌ للحكم بالشّريعة تحت دعاوى عديدةٍ باطلةٍ، رغم كثرة المطالبات والاتصالات والمناشدات التي تلقّاها في ذلك، فشابهوا بذلك من قال الله تعالى فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [آل عمران: 23].

  • سادسًا:

اشترط تنظيم (الدّولة) للانضمام لأيّ محكمةٍ شرطان:

أولهما: أنْ تبيّن الفصائلُ وتعلن موقفها مِن "الديمقراطية" و"العلمانية" و"الدّولة المدنيّة"، ومِن الهيئات والمجالس التي تمثلها علانيةً كهيئة الأركان والائتلاف الوطني والمجلس العسكري وغيرها، والجماعات والفصائل والتكتلات المنضوية تحت هذه المسمّيات أو المرتبطة بها أو تقاتل على الأرض تحت رايتها، وما يجب على الجميع في كيفية التّعامل معهم ومع رموزهم.

ثانيهما: أن تعلن موقفَها مِن الأنظمة الحاكمة في المنطقة كالحكومة الأردنيّة والسعوديّة والقطريّة والإماراتيّة والتركيّة وغيرها، وتعلن موقفَها مِن الجماعات والفصائل التي تتعامل معها، أو تتلقّى الدّعمَ منها.

وفضلًا عما في هذه الشّروط من تخوينٍ عامٍّ للمجاهدين، واتهامهم باتهاماتٍ باطلة، فإنَّه إلزامٌ بما لا يلزم، ولا يقوم عليه دليلٌ صحيحٌ، لما يلي:

  • المسلم غير مُتعبَّد باعتقاد كفرِ أشخاصٍ أو جماعاتٍ مِن المسلمين بأعيانهم، خاصّةً إذا كان مناطُ التّكفير محلَّ نظرٍ، فكيف إذا كان مرفوضًا من أهل العلم والفتوى المعتبرين؟

ويهدف التنظيم من خلال هذه الشروط إلى امتحان الفصائل في معتقداتها، ومن ثم الحكم عليها بالكفر والردة إن هي لم توافقه في ذلك.

  • اعتقاد كفر ما دلَّ الشرع على كفره من الاعتقادات، أو الأقوال، أو الأفعال لا يلزم منه اعتقاد كفرُ مَن ارتكب هذا الكفر، كما يخلط في ذلك الغلاةُ عمومًا، وأتباع تنظيم (الدّولة) بخاصة؛ فالحكم بكفر ما دلَّ الشرع على كفره واجب، ولا يلزم من ذلك الحكمُ على الفاعل أو القائل بالكفر، بل قد يتخلَّف هذا الحكم عن الشخص المعيَّن لأسباب عديدة، وسيأتي الحديث عنه بالتفصيلوسيأتي تفصيل ذلك ص ( ). ومن باب إتمام الفائدة: مِن الشُّبه التي يثيرها الغلاة أنَّ (التحاكم إلى محاكم غير شرعية) هو رضا بحكم الطاغوت، والرضا بالطّاغوت كفرٌ وردَّة. وقد بحث أهلُ العلم مسألة التحاكم إلى المحاكم التي تحكم بغير ما أنزل الله، وقرروا فيها ما يلي: 1- الأصل في المسلم أن يتحاكم إلى المحاكم التي تحكم بما أنزل الله، وتحريم التحاكم للمحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية، ويدلّ على ذلك نصوص شرعية عديدة، منها: قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام:57] وقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40]، وقوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِّمّا قَضَيتَ وَيُسَلِموا تَسليمًا} [النساء: 65]. فالتحاكم للشرع من الإيمان بالله تعالى، وهو مِن العبادات الجليلة ، وقد سمّاها الله عبادة قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه} [يوسف:40]. وقد أوجب الله تعالى التحاكم إلى شرعه فقال : {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، وقال : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59]، وغيرها من النصوص الكثيرة. 2- من اضطُر لهذه المحاكم سواء كانت في بلاد المسلمين أو في بلاد غير المسلمين لأخذِ حقٍّ، أو دفع ظلم: فقد أجاز أهلُ العلم ذلك بشروط، ومن أهمها: أ- ألا يكون هناك طريقة أخرى لأخذ حقّه غير هذه المحاكم. ب- أن يقتصر على أخذِ حقّه دون زيادة إن قضت له المحكمةُ بغير حقه. ج- أن يكره بقلبه التحّاكم لغير شرع الله. فتحاكم المسلمين إلى الشريعة بعيدًا عن المحاكم الوضعية واجبٌ عليهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، والقدرة مناط التكليف، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أخرجه البخاري، ومسلم. لذا كان من القواعد الفقهية المقررة عند أهل العلم (أنه إذا ضاق الأمر اتسع)، وأنه (لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة). ودون هذا إتاحة هذا التحاكم تضيع الحقوق، والأموال وتتوقف المصالح. قال ابن القيم رحمه الله في "الطرق الحكمية" (1/147): "وأما الرِّضَا بِنَبِيِّهِ رَسُولًا: فيتضمَّن كمال الانقياد له، والتَّسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقَّى الهدى إلا مِن مواقع كلماته، ولا يُحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره أَلْبَتَّةَ ، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، لا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه، فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره مِن باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقِيتُه إلا مِن الميتة والدّم، وأحسن أحواله: أن يكون من باب التراب الذي إنما يتُيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور" (مدارج السالكين 2/171). وعلى ذلك فتاوى أهل العلم في اللّجوء إلى المحاكم غير الإسلامية عند الضرورة. كما أنَّ مجردُ التحاكم إلى المحاكم الوضعية لا يعني القبول والرّضا بها، فالرضا أمرٌ زائد، كما أُشير إليه مرارًا..

ولو كان التنظيم جادًا في الوصول إلى الحق لطلب البحث في المسائل المختلف حولها، لا الحكم على أعيانٍ وجهاتٍ بقصد الامتحان والتمحك.

  • المحاكم تنظر في جميع القضايا، وتفصل بين جميع الخصوم، مسلمهم وكافرهم، وبَرّهم وفاجرهم، وتأخذ لصاحب الحقّ حقَّه ما دام مظلومًا، وإن كان كافرًا، وقد كان النّبي صلى الله عليه وسلم يقضي بين المسلمين واليهود، وعلى هذا مضى مَن بعده من صحابته الكرام، وتابعوهم بإحسان، فلا يُشترط أن يكون الخصم مسلمًا، أو صحيح المعتقد ليقبل التنظيم بالجلوس للمحكمة معه!

ونتيجة لهذا الموقف المُتعنِّت مِن تنظيم (الدّولة) ذكر العديدون من طلبة العلم الذين سعوا بين الطرفين أنَّ أنَّ تنظيم (الدّولة) قد امتنع عن تحكيم الشّرع وعطَّلهينظر في الرد على بيان التنظيم: بيان بشأن موقف جماعة الدولة من مبادرة الأمة، د. يوسف الأحمد http://www.saaid.net/Doat/yusuf/69.htm..

فلو أنَّ التنظيم اشترطَ في القاضي شروطًا مُعينة لكانت محلّ نظر، أما أن يَشترط فيمن يُطالبه بِحقِّه أن يُكفر جماعةً أو دولةً بعينها شرطًا لأخذِ حقِّه فهذا شرطٌ غيرُ مسبوق؛ إذ الحقوقُ يجب إيصالها لأهلها دون شرطٍ، ومهما كان معتقده.

  • والخلاصةُ:

أنَّ تنظيم (الدّولة) لم يطبق الشرع بشكل صحيح، بل كانت أحكامه مليئة بالأخطاء والظّلم والجور، فضلًا عن عدم أهليّة قضاته، وغلوه في التّطبيق، كما أنَّه امتنع عن التحاكم للشرع فيما حدث بينه وبين الفصائل الأخرى، فعطَّل الشرع بفعله وتصرفاته.

المصدر: كتاب "شُبهات تنظيم "الدولة الإسلامية" وأنصاره والرَّد عليها" الشبهة العاشرة، د. عماد الدين خيتي

1 - (أ- جهاد خيتي).
2 - أحكام القرآن (4/89).
3 - أخرجه الترمذي (4/53، برقم 1450).
4 - المصدر السابق.
5 - أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/235، برقم 2500).
6 - أعلام الموقعين (3/13).
7 - ينظر فتوى: هل تقام الحدود والعقوبات في المناطق المحررة من سوريا في الوقت الحالي؟ http://islamicsham.org/fatawa/1423.
8 - ينظر مقال: تعليق على إقامة تنظيم الدولة حد السرقة في ريف حلب http://syrianoor.net/revto/8358.
9 - ينظر فتوى: ما حكم ذبح أسرى الأعداء بالسكين؟ وهل هو فعلًا سنة نبوية يمكن اتباعها؟ http://islamicsham.org/fatawa/1990.
10 - وللوقوف على بعض هذه الجرائم ينظر موقع: جرائم دولة البغدادي http://jaraem.kfasad.cf/، وهو موقع يهتم بتوثيق أغلب جرائم التنظيم بالوثائق، والأشرطة المرئية، والمسموعة سواء كانت صادرة رسميًا عن مؤسسات التنظيم، أو بطريقة غير رسمية عن أفراد من التنظيم، علمًا أنَّه دائم الحذف والتجديد على الشبكة.
11 - حاول التنظيم تبرئة نفسه مِن ذلك بمحاسبة بعض أتباعه لإظهارِ أنَّه يطبق الشرع على الجميع، إلا أنَّ هذا لا يعدو أن يكون تطبيقًا على صغار المجرمين، وما زال كبارهم في مناصبهم القيادية يأسرون ويعذبون ويقتلون، وهم يمثلون ركنًا أساسيًا في قيادات التنظيم.
12 - أخرجه النسائي (7/82، برقم 3986).
13 - أخرجه ابن ماجه (5/85، برقم 3932).
14 - وقد صرَّح العديد من زعماء التنظيم والمحسوبين عليه أثناء النقاشات والحوارات أنَّه لا حلّ إلا بمبايعة التنظيم والقبول بمحاكمه؛ لأنَّه هو الدولة، وما سواه مجرد تنظيمات.
15 - وسيأتي تفصيل ذلك ص ( ). ومن باب إتمام الفائدة: مِن الشُّبه التي يثيرها الغلاة أنَّ (التحاكم إلى محاكم غير شرعية) هو رضا بحكم الطاغوت، والرضا بالطّاغوت كفرٌ وردَّة. وقد بحث أهلُ العلم مسألة التحاكم إلى المحاكم التي تحكم بغير ما أنزل الله، وقرروا فيها ما يلي: 1- الأصل في المسلم أن يتحاكم إلى المحاكم التي تحكم بما أنزل الله، وتحريم التحاكم للمحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية، ويدلّ على ذلك نصوص شرعية عديدة، منها: قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام:57] وقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40]، وقوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِّمّا قَضَيتَ وَيُسَلِموا تَسليمًا} [النساء: 65]. فالتحاكم للشرع من الإيمان بالله تعالى، وهو مِن العبادات الجليلة ، وقد سمّاها الله عبادة قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه} [يوسف:40]. وقد أوجب الله تعالى التحاكم إلى شرعه فقال : {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، وقال : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59]، وغيرها من النصوص الكثيرة. 2- من اضطُر لهذه المحاكم سواء كانت في بلاد المسلمين أو في بلاد غير المسلمين لأخذِ حقٍّ، أو دفع ظلم: فقد أجاز أهلُ العلم ذلك بشروط، ومن أهمها: أ- ألا يكون هناك طريقة أخرى لأخذ حقّه غير هذه المحاكم. ب- أن يقتصر على أخذِ حقّه دون زيادة إن قضت له المحكمةُ بغير حقه. ج- أن يكره بقلبه التحّاكم لغير شرع الله. فتحاكم المسلمين إلى الشريعة بعيدًا عن المحاكم الوضعية واجبٌ عليهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، والقدرة مناط التكليف، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أخرجه البخاري، ومسلم. لذا كان من القواعد الفقهية المقررة عند أهل العلم (أنه إذا ضاق الأمر اتسع)، وأنه (لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة). ودون هذا إتاحة هذا التحاكم تضيع الحقوق، والأموال وتتوقف المصالح. قال ابن القيم رحمه الله في "الطرق الحكمية" (1/147): "وأما الرِّضَا بِنَبِيِّهِ رَسُولًا: فيتضمَّن كمال الانقياد له، والتَّسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقَّى الهدى إلا مِن مواقع كلماته، ولا يُحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره أَلْبَتَّةَ ، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، لا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه، فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره مِن باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقِيتُه إلا مِن الميتة والدّم، وأحسن أحواله: أن يكون من باب التراب الذي إنما يتُيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور" (مدارج السالكين 2/171). وعلى ذلك فتاوى أهل العلم في اللّجوء إلى المحاكم غير الإسلامية عند الضرورة. كما أنَّ مجردُ التحاكم إلى المحاكم الوضعية لا يعني القبول والرّضا بها، فالرضا أمرٌ زائد، كما أُشير إليه مرارًا.
16 - ينظر في الرد على بيان التنظيم: بيان بشأن موقف جماعة الدولة من مبادرة الأمة، د. يوسف الأحمد http://www.saaid.net/Doat/yusuf/69.htm.

إضافة تعليق جديد