الأحد 24 نوفمبر 2024 الموافق 22 جمادي اول 1446 هـ

منهج وتأصيل

حقيقة الغلو ونشأته

20 شعبان 1437 هـ


عدد الزيارات : 9362
موقع على بصيرة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله المنقذ من الضلال، المرشد إلى الحق، الهادي من يشاء إلى صراطه المستقيم، والصلاة والسلام على سيّد الأولين والآخرين. أما بعد:

فإن أعظم نعمة أنعم الله بها علينا: نعمة الإسلام، الذي خلق الله خلقه لأجله، وبه أرسل رسله، وبه أنزل كتبه، ولا يقبل الله من أحد ديناً سواه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}[آل عمران: 85].

فهو الدين الذي فطر الله العباد على استحسانه والميل إليه، وقد ارتضاه الله تعالى لنا ديناً، فقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:3].

ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، وخير الناس: النمط الأوسط، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلوِّ المعتدين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة: 143].

وصفهم بأنهم وسَط، لتوسطهم في الدين، فلا هُم أهل غُلوٍّ فيه كغلوِّ النصارى الذين غلو بالترهّب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هُم أهلُ تقصير فيه، كاليهود الذين بدَّلوا كتابَ الله، وقتلوا أنبياءَهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسّط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحبَّ الأمور إلى الله أوْسطُهاتفسير الطبري = جامع البيان (3/142)..

وإن للشيطان مدخلين على المسلم ينفذ منهما لإغوائه، فإذا كان من أهل المعاصي والفسوق زين له هذه الشهوات وأوقعه في حبائلها، ليبقى بعيداً عن طريق الحق والهدى.

وإذا كان العبد من أهل العبادة والصلاح زين له الغلو والإفراط ليفسد عليه دينه ويخرجه من وسيطة الإسلام وسماحته.

قال ابن القيم رحمه الله: "وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو. ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه. كالوادي بين جبلين. والهدى بين ضلالتين. والوسط بين طرفين ذميمين. فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه: مضيع له. هذا بتقصيره عن الحد. وهذا بتجاوزه الحد"مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/464- 465)..

ولم يكن الغلو يوماً ما ديناً مأموراً به، ولا شرعةً يُتقرب بها إلى الله، كما أنه سبحانه لم يمدح الغالين في أمره ونهيه، ولا شجع من اتخذ هذا السبيل طريقا إليه.

ونحن في صدد التكلم عن الغلو يحسن بنا أن نعرج على معنى الغلو وحقيقته عند أهل اللغة، وعند ربان الشريعة، ثم نذكر أول نشأة للغلو، وكيف تلقاه الإنسان البشري بالقبول، حتى أصبح فيهم وبينهم ظاهرة منتشرة، وسلّمًا إلى الشرك بالله سبحانه. ثم نذكر نشأة الغلو في الإسلام، مع الإشارة إلى أهم الغلاة الذين ظهروا في صدر الإسلام.

  • تعريف الغلو:

الغلو في اللغة: الارتفاع ومجاوزة الحد في كل شيءمعجم مقاييس اللغة (4/387).، قال ابن فارس رحمه الله: "الغين واللام والحرف المعتل: أصل صحيح يدل على ارتفاع ومجاوزة قدر، يقال: غلا السعر يغلو غلاءً وذلك ارتفاعه، وغلا الرجل في الأمر غلواً إذا جاوز حده"لسان العرب (15/131)..

فكل صغيرة أو كبيرة جاوز الإنسان فيها الحد فقد غلا فيها وتشدد، سواء كان في الشرعيات أو في العرفيات، في التوحيد أو في العبادات، في المدح أو في الذم، في الإيجاب أو في السلب، كما دلت على ذلك لغة أهل العرب.

وقد ورد لفظ الغلو في القرآن في موضعين بالنهي عنه {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}[النساء: 171]، [المائدة: 77] والمعنى: لا تجاوزوا الحق الذي شرعه الله لكم إلى الباطل الذي لم يأذن به الله.  

  • الغلو في الاصطلاح:

عرّف العلماء الغلو بتعاريف متّفقة من حيث الجملة للتعريف اللغوي الذي سبق ذكره، فعرّفه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه: "مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء، أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك"اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/328)..

وعرّفه أبو بكر الجصاص بقوله: "هو مجاوزة حد الحق فيه"أحكام القرآن ( 3/282)..

وعرّفه الحافظ ابن حجر رحمه الله بأنه "المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد"فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/278)..

ومن خلال هذه التعاريف للغلو نستشف بأن العبادة إذا خرج بها المتعبّد عن حدها الزائد، أو المدح والثناء والإطراء –في غير حق الله- وترسل بها المترسل، فإنه يخرج عن حد قول الحق إلى الغلو ومجاوزة الحد، ومن هنا يوقع نفسه في الحرج، ويجر على نفسه المقت والإثم، كما أنه يسن في الإسلام أو في الدين سنة سيئة، يجني منها إثم كل مقتد به، ومتبع له.

وهذه التعاريف أيضا تبين لنا حقيقة وناتجاً من نتائج الغلو ألا وهو التعدي، فكل من غلا في أمر من أمور الشريعة فقد تعدى حدود الله تعالى وأوامره ونواهيه.

وضابط الغلو: تعدي ما أمر الله به وهو الطغيان الذي نهى الله عنه في قوله: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي}[طه: 81]تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، ص265..

وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد يسر لنا هذا الدين، وحط عنا الآصار والأغلال، فإن أهل الغلو يريدون أن يجعلوا من الدين اليسير عسراً، ومن الحنيفية السمحة قيوداً وأثقالاً، والله يريد دينه كما أنزل، وعبادتنا له على الوجه الذي أمر دون غلو.

فالغلو والإفراط يخرجان هذا الدين عن طبيعته التي وضعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى الانحراف والإهمال، كما أنهما يجران العبد إلى وابل من البدع والضلال .

  • نشأة الغلو وامتداده:

من المُسلّمات أن الله فطر الناس على عبادته، وغرس فيهم توحيده، وكان أول ذنب ناهض التوحيد وقوامه، وزعزع العقيدة حتى كسرها هو الغلو، قال ابن عباس رضي الله عنه عند قول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنزلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[البقرة: 213]: "كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق. فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/596)، رقم: (4009) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي..

قال ابن كثير رحمه الله مرجحا هذا القول إنه: "أصح سندًا ومعنى، لأن الناس كانوا على ملة آدم، عليه السلام، حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحًا عليه السلام، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض"تفسير القرآن العظيم لابن كثير  (1/569)..

فإذا عرفنا أن الله فطر الناس على التوحيد الخالص، والدين السوي، فإن الله لم يرسل رسولا بعد آدم عليه السلام إلا حين مالت هذه الفطر، بما طرأ عليها من الغلو والانحراف، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عند قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح: 23] أن هذه الأسماء "أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا، أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم، عُبدت"أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن،  باب {ودا ولا سواعا، ولا يغوث ويعوق} (6/160)، رقم: (4920)..

وهذا الأثر يدل على أن الانحراف عن الصراط المستقيم كان نتيجة الغلو، ولم يأت هذا الانحراف عليهم دفعة واحدة، وإنما تدرجوا فيه، فإذا مات أحد الصالحين مثّلوا صورته، فلما مات هؤلاء ونسي العلم، وجاء من بعدهم أقوام جهلة عبدوا هذه التماثيل من دون الله تعالى، فلم يزالوا كذلك حتى بعث الله نبيه نوحاً إليهم، فكان منهم ما هو مذكور في كتاب الله تعالى.

وهكذا كان الغلو في الدين هو الداء الأول، والسرطان الفتاك، والمرض القاتل، الذي أفسد العقائد، وأهلك تلك الأمم، وما ذاك إلا لأنه تعدٍّ لما أمر الله به، وتجاوز للمشروع الذي شرعه الله.

وهذا الغلو الذي ظهر في قوم نوح سرى في كل الأمم من بعدهم، وتناقله الأجيال على مر العصور والدهور، حتى أصبح من أعظم المداخل الإبليسية على بني آدم، فلا تكاد تجد أمة من الأمم إلا وقد غلت في عظمائها وصالحيها، إما مدحاً وإما ذماً، وإما قولاً وإما فعلاً.

فوجد الغلو عند أهل الكتاب، قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ}[النساء: 171].

قال ابن كثير رحمه الله: "ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزوا حد التصديق بعيسى، حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه، بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه، ممن زعم أنه على دينه، فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه، سواء كان حقاً أو باطلاً، رشاداً أو ضلالاً، صحيحاً أو كذباً، ولهذا قال تعالى": {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة: 31]تفسير ابن كثير (2/477)..

وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المائدة : 77].

لا تفرِطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح، فتجاوزوا فيه الحقَّ إلى الباطل، فتقولوا فيه هو الله، أو هو ابنه، ولكن قولوا: هو (عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)، ولا تتبعوا في المسيح أهواء اليهود الذين قد ضلوا قبلكم عن سبيل الهدى في القول فيه، فتقولون فيه كما قالوا:  هو لغير رَشْدة، وتبهتوا أمَّه كما بَهَتُوها بالفرية وهي صدِّيقة، وهؤلاء اليهود قد أضلوا كثيرًا من الناس، فحادوا بهم عن طريق الحق، وحملوهم على الكفر بالله والتكذيب بالمسيح، وضلَّ هؤلاء اليهود عن قصد الطريق، وركبوا غير محجَّة الحق، وإنما يعني _تعالى ذكره_ بذلك كفرَهم بالله، وتكذيبَهم رسله: عيسى ومحمدًا صلى الله عليه وسلم، وذهابَهم عن الإيمان وبعدَهم منه، وذلك كان ضلالهم الذي وصفهم الله بهتفسير الطبري (10/487)، بتصرف يسير..

وبلغ بأهل الكتاب الهوى والحسد، إلى أن بعضهم ضلّل بعضاً، وكفّر بعضهم بعضاً، قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ}[البقرة: 113].

وشابه أهل الكتاب من قبلهم من الأمم في الغلو، وضلّوا كما ضلّ الوثنيّون، والبوذيون، واليونان، والرّومان، فوصفوا الله بالنقائص والعيوب والولد. قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[التوبة: 30].

فهذا قول تلوكه ألسنتهم في أفواههم بدون تعقل، ولا مستند لهم فيما زعموه سوى افترائهم واختلاقهم، فهو من الألفاظ الساقطة التي لا وزن لها ولا قيمة، فقد قامت الأدلة السمعية والعقلية على استحالة أن يكون لله ولد أو والد أو صاحبة أو شريكالتفسير الوسيط لطنطاوي (6/258)..

ويزعمون التميز عن الناس بالدعاوى الباطلة من كونهم أبناء الله وأحباءه، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[المائدة: 18]

وأعظم مظاهر غلوهم ما كان في جناب الله عز وجل من وصفه سبحانه وتعالى بالنقائص, وإضافة العيوب إليه فوصفوا الله تعالى بالبخل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة: 64].

وزعموا أن الله سبحانه فقير ونسبوا لأنفسهم الغنى، قال الله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق}[آل عمران: 181]. فلم يرتكب شعب في الدنيا جرائم شنيعة مثل اليهود، ولم يقتصر إجرامهم على البشرية، وإنما تجاوز ذلك إلى الله والرسل.

  • نشأة الغلو عند المسلمين:

حذر النبي صلى الله عليه وسلم من كل صور الغلو، وأخبر أن الغلو من أسباب هلاك الأمم، فقال: «يا أيها الناس، إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب قدر، حصى الرمي (2/1008)، رقم: (3029)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم: (2680)..

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند هذا الحديث بأنه: "عام في جميع أنواع الغلو، في الاعتقادات، والأعمال"اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/328)..

وقد وُجدت حالات من الغلو في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها لا تمثل عقيدةً ومنهجاً، بل سرعان ما ذهبت عند معرفة الصواب، واستطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يفقّه أصحابه ويعلمهم ليصححوا ما قد يحصل من بعضهم من خطأ.

فمن ذلك:

  • 1. حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدَا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)أخرج البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح (7/2)، رقم: (5063)، ومسلم، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم (2/1020)، رقم: (1401)..

فاستنكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الذي فيه نوع غلو في الدين، وجعله خروجاً عن سنته وهديه، فوقف الصحابة عند الحد، والتزموا هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

  • 2. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه)أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية (8/143)، رقم: (6704)..

فتعذيب الجسد وتحميله ما لا يطيق ليس من مناهج الإسلام ووسائله لبلوغ الكمال المنشود، فإن مثالية الإسلام يمكن بلوغها بنهجٍ معتدل وسير مريح، ومن خرج من هذا النهج وجب رده إليه.

  • 3. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: (ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا، حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد)أخرجه البخاري، ما يكره من التشديد في العبادة (2/53)، رقم: (1150)..

فكره صلى الله عليه وسلم الإفراط في العبادة، لئلا ينقطع عنها المرء فيكون كأنه رجوع فيما بذله من نفسه لله، تعالى، وتطوع بهشرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 145)..

ثم انطلقت بوادر الغلو في التكفير من ذلك الرجل الذي خطّأ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقتنع بما قضى به، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال: (ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل». فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: «دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه -وهو قدحه- فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس) قال أبو سعيد: "فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته"أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام  (4/200)، رقم: (3610)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/744)، رقم: (1064)..

قال ابن الجوزي: "فهذا أول خارجي خرج فِي الإسلام، وآفته أنه رضي برأي نفسه، ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"تلبيس إبليس ص: (82)..

فهذا الرجلذو الخويصرة كان أحد الرؤوس التي دبرت الفتنة، وشارك في المؤامرة ضد الخليفة عثمان رضي الله عنه، إذ كان يقود ثوار البصرة، كما كان من قادة الخوارج الذين انشقوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو الذي خاطب عليًا قائلاً: تب من خطيئتك، وذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه، يقصد التحكيم. قتل في معركة النهروان، ينظر تاريخ الطبري (5/72). اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم التقوى وعدم العدل، لأن القسمة لم توافق هواه، ولم يعرف مراد النبي صلى الله عليه وسلم، فالقسمة في نظره باطلة ولو كانت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

  • أهم الغلاة الذين ظهروا في صدر الإسلام:

سارت الدعوة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم تؤثر سموم الغلاة فيها، حتى جاء عهد عثمان رضي الله عنه الذي سار على نهج من سبقه من العدل والحكمة، وإعلاء كلمة الله، غير أن أعداء الإسلام لم يَرُقْ لهم ذلك، فعملوا كل ما في وسعهم لتفريق كلمة المسلمين، والانتقام من المسلمين لدولهم الزائلة ومجدهم الضائع، فجدّوا في إثارة الفتنة ووجدوا في بعض ضعاف النفوس ومرضى القلوب مدخلاً.

وكان من أوائل من تولى كبر هذه الداء، وتحمل أثم هذا المرض وساق ثلّةً كبيرةً من أهل الإسلام إلى الهلكة: رأسُ الفتنة وداعيها الأكبر، ومرجعها الأبتر، سليل اليهود: عبد الله بن سبأ، فقد تنقل في البلاد الإسلامية، فمرّ بالحجاز، ثم البصرة والكوفة والشام، وأتى مصر، واستمال في هذه البلاد قلوب بعض الناقمين على الولاة، وبدأ يبث بينهم بعض العقائد المنحرفة كرجعة الأنبياء والأوصياء، وإنّ كل نبي كان له وصي، وأن علياً وصي محمد عليه الصلاة والسلام.

ثم انتقل بعد ذلك في الطعن في الخليفة عثمان رضي الله عنه، وأنه أخذ الخلافة بغير حق، واستثار بعض من وقعوا تحت تأثيره إلى النهوض عن المنكر، واستطاع أن يكوّن خلايا سرية في تلك الأمصار تجري بينهم وبينه مكاتبات: يحيكون من خلالها المؤامرات، ويضعون الخطط للخروج على الخليفة، حتى تمّ لهم ما أرادوا، ووصلت الفتنة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودار الخلافة، وحوصر أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه في بيته، ثم قتل شهيداً.

تولى علي رضي الله عنه الخلافة ولـمّا تستقرّ له، فأهل الفتنة الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه هم المسيطرون على أَزِمَّة الأمور في المدينة، وأمير الشام: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما يريد القصاص من هؤلاء القتلة قبل أن يبايع لعليّ رضي الله عنه، فهو ولي الدم، وأمير الخليفة المقتول على الشام! ثم لم يلبث الخلاف بين الطرفين أن ازداد شدة، والهوة بينهما أن ازدادت اتساعاً، وكان لأولئك الغلاة المارقون دورٌ بارز في إذكاء الفتنة حتى حصلت معارك بين الطرفين.

وفي موقعة صفين: قَبِلَ علي رضي الله عنه دعوة معاوية رضي الله عنه إلى التحكيم أثناء المعركة، بعد أن استجاب عدد كبير من جيشه لهذه الدعوة، وتوقفوا عن القتال فعلاً، ثم انقلبوا على عليّ رضي الله عنه وطلبوا منه التراجع والعودة للقتال، وإعلان التوبة عن هذه الخطيئة التي وقع فيها! فلما أبى، رعايةً للعهد، ضاقوا به وخرجوا عليه، وعيّنوا عليهم أميراً هو: عبدالله بن وهب الراسبي الذي قال: "هاتوها، فوالله ما أقبلها رغبة في الدنيا، ولا فراراً من الموت، ولكن أقبلها لما أرجو فيها من عظيم الأجر"!

ثم كفّروا علياً رضي الله عنه وأتباعه، واستحلوا دماء وأموال المسلمين الذين لا يرون رأيهم، فقتلوا عبدالله بن خباب بن الأرت، وبقروا بطن أم ولده عما في بطنها، ثم قتلوا بعض النسوة، وأخذوا يعترضون الناس ويسفكون الدم الحرامتاريخ الطبري (5/81-82)، تلبيس إبليس، ص: 93، الكامل في التاريخ لابن الأثير (3/341-342)..

فبعث إليهم علي رضي الله عنه الحارث بن مرة العبدي ليأتيه بخبرهم، فقتلوه أيضاً، حينئذٍ لم يجد علي عثمان رضي الله عنه بدّاً من المسير إليهم، ولما قابلهم طلب منهم تسليم قتلة عبدالله بن خباب للقصاص منهم، فقالوا: كلنا قتلناه.

فصمم على قتالهم بعد أن تبين له أنهم الفئة الخارجة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، وخطب علي رضي الله عنه أصحابه، وأخبرهم بما سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج، وقال هم هؤلاء القوم سفكوا الدم الحرام وأغاروا على سرح الناس، وهكذا كانت موقعة النهروان التي قتل فيها الخوارج ولم ينج منهم إلا نفر يسيرتاريخ الطبري (5/81-83)..

ولم تضع هذه المعركة نهايةً للخوارج، بل كانت ذكرى تلك الموقعة دافعاً لهم إلى مزيد من العنف، الأمر الذي أدى بهم إلى التخطيط لاغتيال علي رضي الله عنه وتنفيذ ذلك.

وهكذا كانت فتنة الخوارج في الغلو في التكفير، فهم قد كفّروا عثمان لأنه ولى رقاب المؤمنين ولاةَ جور بزعمهم، فهو بذلك قد حكم بغير حكم الله! وكفّروا عليًا لأنه حكّم الحكمين وخلع نفسه عن إمرة المؤمنين وحكم في دين الله! ثم كفّروا كل من خالفهم ولم يرَ رأيهم من المسلمين، واستحلوا دماءهم وأموالهم لذلك.

وفي المقابل ظهرت فتنة الشيعة، وهم الذين زعموا نصرة علي رضي الله عنه، وغلوا فيه حتى ألّهه بعضهم، وكان عبد الله بن سبأ هو من ابتدع الغلو في علي رضي الله عنه حتى ظهر في زمانه من ادعى فيه الإلهية، وسجدوا له لـمّا خرج من باب مسجد كندة، فأمر علي رضي الله عنه بتحريقهم بالنار بعد أن أجّلهم ثلاثة أيام"جامع الرسائل لابن تيمية (1/261).، فالشيعة كانت لهم اليد الطولى في وضع بدء الغلو ونره بين المسلمين، وكان غلوهم على الوجه الذي كانت عليه الأمم السالفة، والبوابة التي ولجوا إليه منها هي البوابة نفسها التي سلكها أسلافهم من الأمم الماضية: الغلو في الرجال.

وهكذا وقعت في الأمة الإسلامية أعظم فتنتين لا تزالان تجران عليها الفساد والدمار، وتهلكان الحرث والنسل، وتعيقان تقدمها في ميادين الحياة، وتؤخران نصرها على الأعداء، فإلى الله المشتكى، وهو وحده المستعان على النجاة منهما، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

لتحميل ملف المادة "PDF" بجودة عالية من المرفقات أعلاه  ⤴️

 

1 - تفسير الطبري = جامع البيان (3/142).
2 - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/464- 465).
3 - معجم مقاييس اللغة (4/387).
4 - لسان العرب (15/131).
5 - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/328).
6 - أحكام القرآن ( 3/282).
7 - فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/278).
8 - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، ص265.
9 - أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/596)، رقم: (4009) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
10 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير  (1/569).
11 - أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن،  باب {ودا ولا سواعا، ولا يغوث ويعوق} (6/160)، رقم: (4920).
12 - تفسير ابن كثير (2/477).
13 - تفسير الطبري (10/487)، بتصرف يسير.
14 - التفسير الوسيط لطنطاوي (6/258).
15 - أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب قدر، حصى الرمي (2/1008)، رقم: (3029)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم: (2680).
16 - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/328).
17 - أخرج البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح (7/2)، رقم: (5063)، ومسلم، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم (2/1020)، رقم: (1401).
18 - أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية (8/143)، رقم: (6704).
19 - أخرجه البخاري، ما يكره من التشديد في العبادة (2/53)، رقم: (1150).
20 - شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 145).
21 - أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام  (4/200)، رقم: (3610)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/744)، رقم: (1064).
22 - تلبيس إبليس ص: (82).
23 - ذو الخويصرة كان أحد الرؤوس التي دبرت الفتنة، وشارك في المؤامرة ضد الخليفة عثمان رضي الله عنه، إذ كان يقود ثوار البصرة، كما كان من قادة الخوارج الذين انشقوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو الذي خاطب عليًا قائلاً: تب من خطيئتك، وذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه، يقصد التحكيم. قتل في معركة النهروان، ينظر تاريخ الطبري (5/72).
24 - تاريخ الطبري (5/81-82)، تلبيس إبليس، ص: 93، الكامل في التاريخ لابن الأثير (3/341-342).
25 - تاريخ الطبري (5/81-83).
26 - جامع الرسائل لابن تيمية (1/261).
ملف للتنزيل: 

إضافة تعليق جديد