فتوى: حكم الموالي للنظام السوري
السؤال: لا يزال يوجد بيننا-وللأسف- من يؤيد النظام السوري البعثي المجرم ويواليه، فما الطريقة الشرعية للتعامل مع هؤلاء الموالين؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
- أولاً:
لقد بيَّن الله -تبارك وتعالى- مرجع الولاية لعباده المؤمنين، فقصرها وحصرها في الولاء لله ورسوله وصالح المؤمنين، وذكر -جل وعلا- أنَّ المحققين لهذا الولاء هم الغالبون، الذين لهم العاقبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 55-56].
ومن يؤيد النظام السوري الظالم ويقف إلى صفه بعد ما تبين بطشه وإجرامه وانتهاكه كل المحرمات، بل وأسفر عن كفره البواح الصريح وإكراه الناس عليه، لعلى خطر عظيم؛ قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}[هود: 113]، قال ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره": "أَيْ: لَا تَسْتَعِينُوا بِالظَّلَمَةِ فَتَكُونُوا كَأَنَّكُمْ قَدْ رَضِيتُمْ بِبَاقِي صَنِيعِهِمْ".
- ثانياً:
قد تصل بعض صور التأييد إلى المظاهرة والتولي المخرج من ملة الإسلام، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: 51].
وقد اشتهرت أقوال أهل العلم في ذلك في القديم والحديث. قال الونشريسي -رحمه الله- في "المعيار المعرب" : "وَأَمَّا مُقْتَحِمُو نَقِيضِهِ –أي الجهاد- بِمُعَاوَنَةِ أَوْلِيَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، إمَّا بِالنُّفُوسِ، وَإِمَّا بِالْأَمْوَالِ، فَيَصِيرُونَ حِينَئِذٍ حَرْبِيِّينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَحَسْبُك بِهَذَا مُنَاقَضَةً وَضَلَالًا".
وسئلت "لجنة الفتوى في الأزهر" في 14 شعبان 136هـ عن مساعدة اليهود وإعانتهم في تحقيق مآربهم في فلسطين، فأجابت إجابة طويلة، جاء فيها: "فالرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المنكرة وساعد عليها مباشرة أو بواسطة لا يعد من أهل الإيمان، ولا ينتظم في سلكهم، بل هو بصنيعه حرب عليهم، منخلع من دينهم، وهو بفعله الآثم أشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة".
- ثالثاً:
يختلف التعامل مع المؤيدين بحسب صورة التأييد وخطرها:
-
فمن كان مؤيدًا للنظام في خاصة نفسه، وربما صدر عنه من الكلام ما يدل على اقتناعه بما يردده أبواق النظام وآلته الإعلامية، لكنه لم يصل في كلامه إلى حد التحريض على القتل، ولم يعاون النظام في حربه على شعبه بمالٍ أو سلاح أو رأي، فلا ينبغي التعرّض له، لكن يجب نصحه وشرح الأمور له، وتبيين خطورة موقفه هذا على دينه، وحسابه على الله تعالى.
-
أما المؤيد بالفكر والرأي والمشورة، الذي ينافح عن النظام، ويدافع عن جرائمه، ويسوِّغ قتل الآمنين وإتلاف ممتلكاتهم، فإنه لا شك شريك لهذه العصابة المجرمة في أفعالها، وهو بتحريضه على القتل وسفك الدماء مجرم قاتل. فهؤلاء يؤخذون و يعزّرون كلٌ بما يناسب حاله، ولو وصل الأمر إلى القتل. فقد قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دريد بن الصمة يوم حنين؛ لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب، مع كبره وعماه، قال ابن عبد البر -رحمه الله- في "التمهيد": "وأجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل دريد بن الصمة يوم حنين؛ لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب".
-
كذلك من يدعم النظام في حربه على الناس بالمال، فإنَّه أيضاً شريك للنظام في إجرامه وحربه، فيعاقب بأخذ ماله إن أمكن أو إتلافه، وإن قُدر عليه فيقدم إلى الهيئات الشرعية لتحكم في أمره بما يردعه عن فعله، فإذا لم يرتدع إلا بالقتل جاز قتله.
-
أما الجواسيس والمخبرون الذي يدلون أزلام النظام على أماكن المجاهدين أو الثوار، فقد فصلنا الحكم فيهم في فتوى سابقة (هل يجوز قتل الجاسوس "العوايني") وذكرنا أنهم يُحالون إلى هيئة شرعية من عقلاء الثوار والناشطين، تقوم بالنظر في ثبوت التهم الموجهة إليهم، ومقدار الضرر الذي يترتب على أفعالهم، ثم يعزَّرون بما يناسب حالهم، من قتل أو سجن أو غيره.
ونذكّربما أكدنا عليه في فتاوانا السابقة أن ما يتخذ بحق هؤلاء من العقوبات لايترك لأفراد الناس، وإنما للهيئات الشرعية وبعد محاكمة عادلة.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم.
السبت 24 نوفمبر 2012 م
إضافة تعليق جديد