حكم عقد الهُدن والمصالحات مع النظام السوري
السؤال: ما حكم المصالحات التي تتم في بعض المناطق والمدن مع النظام؟ وهل تُعدُّ هذه الهدن والمصالحات من قبيل الردِّة لما فيها من رضى بالنظام؟ أو إعانته؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنَّ الأصل في الهُدن مع العدو أنها مشروعةٌ إذا وجدت الحاجة إليها، وتحققت المصلحة منها، وبما أن الهُدن والمصالحات مع "النظام السوري" تغلب عليها المفاسد، وتخلُّف المصالح، مع تكرار الغدر والخيانة، فلا يجوزُ الإقدامُ عليها في حال السَّعة والقدرة، وإنما يرخَّص بها في حالاتٍ مخصوصة إذا توفرت فيها الشروط الشرعية، وتفصيل ذلك كما يلي:
- أولاً:
الهُدنة لغة: السُّكون، وتُطلق على المصالحة مع العدو، ومن مرادفاتها: المعاهدة، والموادعة. ويريد بها الفقهاء: مصالحةَ أهلِ الحرب على ترك القتال، بعِوضٍ أو بغير عِوض. والهدنة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، عند الحاجة لها، وتحقُّق شروطها.
قال تعالى: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4]. وقال: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7].
وقد صالحَ النبي -صلى الله عليه وسلم- كفارَ قريش في "صلح الحديبية" على ترك القتال عشر سنوات، يأمنُ الناس فيها على دمائهم وأموالهم.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" عن قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}: "هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْركين ... وَمَعْنَى الشَّرْطِ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالصُّلْحِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ الْأَحَظَّ لِلْإِسْلَامِ: الْمُصَالَحَةُ".
وقد أجمعَ العلماء على جوازِ الهدنة عند الحاجة إليها، ورُجحان المصلحة المترتبة عليها، قال النووي في "شرحه على صحيح مسلم": "وفي هذه الأحاديثِ دليلٌ لجوازِ مصالحةِ الكفار، إذا كان فيها مصلحة، وهو مُجمع عليه عند الحاجة".
ويستوي في ذلك أن تكونَ الهدنة مع أهل الكتاب، أو المشركين، فقد صالح النبي -صلى الله عليه وسلم- اليهودَ والنصارى، وصالحَ مشركي قريش والعرب.
كما تجوزُ مهادنةُ المرتدِّين عند الحاجةِ إلى ذلك، والعجزِ عن قتالهم. قال ابن مودود الموصلي في "الاختيار": "والمرتدون إذا غَلبوا على مدينةٍ، وأهلُ الذِّمة إذا نقضوا العهدَ: كالمشركين في الموادعة".
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع": "وتجوزُ موادعة المرتدين إذا غَلبوا على دارٍ من دور الإسلام، وخِيف منهم، ولم تُؤمن غائِلَتُهم؛ لما فيه من مصلحةِ دفع الشر للحال".
ويستوي في هذا الحكمِ جهادُ الطَّلبِ وجهادُ الدفع. لِعزمه -صلى الله عليه وسلم- في غزوةِ الأحزابِ على موادعة غطفان على ثُلث ثمار المدينة، فقد: (أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ الْفَزَارِيِّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رَأْسُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَطَفَانَ، وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ: أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ لَكَ ثُلُثَ ثَمَرِ الْأَنْصَارِ أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَكَ مِنْ غَطَفَانَ؟ وَتُخَذِّلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟)أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.
وعلى هذا كانَ عملُ المسلمين في عقد الهُدن والصلح في جهاد الدَّفع كلما كان ذلك في مصلحتهم، ومن ذلك هدنة الرَّملة بين صلاح الدين الأيوبي وملك الإنجليز ريتشارد قلب الأسد، وفيها: وضعُ الحرب ثلاث سنين وستة أشهر، على أن يُقِرَّهم على ما بأيديهم من البلاد الساحلية، وللمسلمين ما يقابلها من البلاد الجبلية، وما بينهما من المعاملات تُقسم على المناصفة. ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية.
والهُدنة بين الفرنجة والسلطان يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك الغرب بعد موقعة الزلاّقة شمال قرطبة، وفيها: وضع الحرب خمس سنين، وغير ذلك كثير.
- ثانيًا:
الأصلُ في معاملة عصابات النظام السوري المجرمة، التي تسعى في الأرض بالبغيِ والفساد، وتحارب الله ورسوله: القتالُ والدَّفعُ، حتى ينكفَّ شرُّها، وتُصان النفوسُ والأعراضُ والأموالُ من اعتدائه وطغيانه، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال:39]، وقال: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء:75].
وقد ثبت من تكرارِ تجربةِ السنواتِ السابقةِ إخلالُ النظام السوري المجرم بمعظم شروط الهدن والمصالحات المعقودة معه، مع غَدره بمعظم من هادنه وصالحه، قتلاً، واعتقالاً، مع محاولة الإفسادِ والتجسس، وإحداثِ شَرخ بين الناس والمجاهدين، وإضعافِ الروح المعنوية، أو استغلالِ المصالحاتِ في تركيز عدوانه على مناطق أخرى.
فالأصلُ في هذه الهُدن والمصالحات: المنعُ؛ لتخلِّفِ المقصودِ منها في الغالب.
وعلى المجاهدين أن يستعينوا بالله –تعالى- على قتال العدو، وأن يتسلَّحوا بالصبرِ والمصابرة، وأن يتأسوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد حاصَرَه المشركون في شِعب أبي طالب، ومنعوا عنه الطعام وكلَّ أسبابِ الحياة، فصبر وثَبت، حتى جعل الله له من أمره يسرًا.
كذلك حاصر المشركونَ المسلمينِ وتكالب الأعداء عليهم، يوم الخندق، حتى {زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، وكان موقفًا عصيبًا وصفه الله بقوله: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} ولكنهم ثبتوا وصبروا حتى جاء الله بالنصر والفرج، وكانت النتيجة كما قال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}.
- ثالثًا:
ما سبق هو الأصلُ في التعامل مع "النظام السوري"، لكن يُرخَّص في حالاتٍ مخصوصة لبعض المناطق المنكوبة في عقدِ هدنة معه إذا تحقَّقت المصلحةُ المعتبرة من ورائها، وتوفرت فيها الشروط الشرعية، وهي:
الشرط الأول:
وجود الضرر الحقيقي الذي لا يمكن دفعه أو الصبر عليه، بأن يُخشى على المجاهدين أو المدنيين من الفناء، أو من عَنَتٍ لا طاقة لهم به، فلهم دفع ذلك عنهم. قال الإمام الشافعي في "الأم": "وَإِذَا ضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، لِبُعْدِ دَارِهِمْ، أَوْ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ أَوْ خَلَّةٍ بِالْمُسْلِمِينَ، أَوْ بِمَنْ يَلِيهِمْ مِنْهُمْ: جَازَ لَهُمْ الْكَفُّ عَنْهُمْ وَمُهَادَنَتُهُمْ".
وقال القرافي في "الذخيرة": "وإن كان [أي الصلح] لمصلحةٍ نحو العجزِ عن القتالِ مطلقًا أو في الوقت الحاضر، فيجوزُ بِعِوَض أو بغير عِوَض، على وفق الرأي السديد للمسلمين".
والهدنة جائزة ولو اشتملت على بعضِ الأضرار بالمسلمين ما دامت المصلحة المترتبة على ذلك أكبر، فقد قَبِل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية أن يكتب محمد بن عبد الله بدلاً من محمد رسول الله، وأنَّ من آمن وأتى إليه دون إذن وليه من المشركين ردَّه إليهم، ومن أتى قريشًا ممن كانوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يردوه عليه، لكنه كان فتحًا ونصرًا للمسلمين بعد ذلك.
وقد ذكر الماوردي من حالات جواز المهادنة مع دفع المال للعدو: "أَنْ يُحَاطَ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالٍ أَوْ وَطْءٍ يَخَافُونَ مَعَهُ الِاصْطِلَامَ [الفناء]، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْذُلُوا فِي الدَّفْعِ عَنِ اصْطِلَامِهِمْ مَالًا، يَحْقِنُونَ بِهِ دِمَاءَهُمْ، قَدْ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْخَنْدَقِ أَنْ يُصَالِحَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ" ذكره في "الحاوي".
لكنَّ دفع الخطر عن بعض المدن أو المجاهدين يجب ألا يُزالَ بإضرارِ بقيةِ المدن أو الفصائل المجاهدة، عملاً بقاعدتي: "يُتحمَّل الضَّررُ الخاصُ لدفعِ الضَّرر العام"، و"الضَّرر لا يُزال بمثله".
الشرط الثاني:
أن تكونَ الهدنة صادرةً عن أهلِ الرأي والمشورة من العلماء وقادة المجاهدين؛ لأنهم ينوبون عن الإمام حال عدم وجوده. قال الشيرازي في "المهذب": "لا يجوز عقدُ الهدنة لإقليمٍ أو صِقْعٍ عظيم، إلا للإمام، أو لمن فَوَّضَ إليه الإمامُ".
فلا بدَّ من توافق أهل الرأي والشوكة في تلك المنطقة. إذ لو أُعطي حقُّ الهدنة لكل مجموعةٍ، لكانت المفاسد عظيمة، كشقِّ صف المجاهدين، ومنحِ العدوّ قوة لمواجهة الذين لم يهادنوه، بل ربما كانت هذه المهادناتُ الأُحادية صورةً من صور إعانة العدو على المسلمين. وعلى المجاهدينَ -وعمومِ الثوارِ- الحذرُ من هذه العصابة المجرمة، وعدم الانفراد بمثل هذه المصالحات؛ حتى لا تكون وبالاً عليهم وعلى عموم المسلمين.
الشرط الثالث:
ألا يكون فيها شرط فاسد، كمخالفةِ أصلٍ شرعي، أو العودة على المجاهدين أو المسلمين بضرر أعظم من المصلحة المتحققة من وراء الصلح. قال زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب": "وَأَنْ يَخْلُو عَقْدُ الْهُدْنَةِ عن كل شَرْطٍ فَاسِدٍ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ". وقال الدردير في "الشرح الكبير": "إنْ خَلَا عَقْدُ الْمُهَادَنَةِ...عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ، فَإِنْ لَمْ تَخْلُ عَنْهُ: لَمْ تَجُزْ".
وتُعرف صلاحية هذه الشروط أو فسادها بالرجوعِ إلى أهل العلم، والخبرة والمشورة؛ فما يجوز في وقتٍ قد لا يجوزُ في وقتٍ آخر، حَسب الضرورة والأحوال؛ لأنَّ أمرَ المصالحات من باب السياسة الشرعية التي تُبنى على جلبِ المصالحِ ودرء المفاسد.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "فالموادعة لَاحَدَّ لَهَا مَعْلُومٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، بَلْ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْأَحَظَّ وَالْأَحْوَطَّ لِلْمُسْلِمِينَ".
- رابعًا:
يجب على المجاهدين الوفاءُ بالعهد ما وفَّى به العدو، قال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ)رواه أبو داود، وصححه ابن حبان. قال الخطابي في "معالم السنن": "قوله: (لا أخيس بالعهد) معناه: لا أنقضُ العهد، ولا أُفسده، وفيه من الفقه: أن العقد يُرعَى مع الكافر، كما يُرعى مع المسلم، وأن الكافر إذا عقد لك عقد أمان فقد وجب عليك أن تؤمنه وأن لا تغتاله في دم ولا مال ولا منفعة".
فإذا نقضَ العدو الهدنةَ فهم في حِلٍّ منها، ولا يلزمهم عقدها مرةً أخرى إلا إن شاؤوا ذلك.
وإن ظهرت بوادر الخيانة وأماراتها من العدو: فيُنبذُ العهد إليهم ويعلمهم بإبطاله كما قال تعالى: {وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ} [الأنفال: 58].
وعن عَمْرِو بْنُ عَبَسَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَشُدُّ عُقْدَةً وَلَا يَحُلُّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ)رواه أبو داود، والترمذي، وأحمد.
قال القرافي في "الذخيرة": "فَإِن استشعر خيانة فَلَهُ نَبْذُ الْعَهْدِ قَبْلَ الْمُدَّةِ".
- خامسًا:
الهدن والمصالحات مع الأعداء لا تدخل في باب الرِّدَّة أو موالاة الكفار؛ ولذا لا يجوز وصف المهادنين مع النظام السوري بأنهم مُرتدون .
فقد هادنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- مشركي مكة، وهادن اليهود في المدينة وخيبر، كما هادنَ النصارى، وكان أثناء ذلك يعاملهم في شتى الأمور الدنيوية حسب ما تقتضيه مصالح المسلمين، ولم يؤدِّ ذلك إلى موالاتهم أو موافقتهم على دينهم، بل بقيت العداوة بينهم، حتى قاتلهم، وفتح بلدانهم.
ونقل القرطبي في "تفسيره" قول ابن العربي: "صَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ خَيْبَرَ، وَأُكَيْدِرَ دَوْمَةَ، وَأَهْلَ نَجْرَانَ، وَقَدْ هَادَنَ قُرَيْشًا لِعَشْرَةِ أَعْوَامٍ ... وَمَا زَالَتِ الْخُلَفَاءُ وَالصَّحَابَةُ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ الَّتِي شَرَعْنَاهَا سَالِكَةً، وَبِالْوُجُوهِ الَّتِي شَرَحْنَاهَا عَامِلَةً".
وحتى لو اشتملت الهدنة على أمرٍ محرم، أو كانت مخالفة للشروط الشرعية، أو تسببت بتقوية النظام على بقية المجاهدين، فقد يأثم أصحابها إن لم يكونوا مضطرين لذلك، لكن لا تكون ردة وكفرًا كما لا يُعدُّ من الموالاة للكفار القبولُ برعاية دولهم أو منظماتهم لها.
وأخيرًا:
لابد من التَّنبُّه إلى مزالقِ المفاوضاتِ وخُدعها، وآثارها المستقبلية، سواء من طرف النظام أو الوسطاء، أو استغلال النظام للهدن لتقوية موقفه، أو إنقاذ نفسه بكسب الوقت، أو تفريقِ صف المسلمين، مع اختيارِ الشخصيات المناسبة من أهل الخبرة والدراية بهذه الأمور.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم.
الأحد 21 ديسمبر 2014 م
إضافة تعليق جديد