الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادي اول 1446 هـ

شبهات وردود

شبهات تنظيم الدولة وأنصاره والرد عليها: الشبهة السابعة عشرة: الفصائل في سورية لا تَكفُر بالطّاغوت، ولا تُكفِّره

24 رمضان 1437 هـ


عدد الزيارات : 5408
عماد الدين خيتي

 

 

تقول الشُّبهة: الفصائل المقاتلة في سورية، والهيئات الشرعية لا تَكفُر بالطّاغوت؛ فقد رفضت تكفيرَ الحكومات العربية الطّاغوتية، مع أنَّ أولَ واجبٍ على المرء حتى يكون مسلمًا أنْ يَكفُرَ بالطّاغوت، قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:256]وبذلك تكون هذه الفصائلُ قد أخلَّت بالتّوحيد.

الإجابة عن هذه الشّبهة:

تضمّنت هذه الشّبهةُ العديدَ مِن القضايا الهامّة التي وقع فيها الخطأ والخلط مِن الغلاة، وبيانها كما يلي:

  • أولًا: معنى الطّاغوت:

الطّاغوتُ لغةً: مأخوذ مِن الطُّغيان، أي: تجاوز القدر والحدّ، والارتفاع، ومجاوزة الحدّ في الكثرةينظر: تاج العروس (38/492)، ولسان العرب (15/7).. ويُطلق على كلِّ رأسٍ في الضّلال، مِن شّيطانٍ، أو ماردٍ، أو صنمٍ، أو كاهنٍ، أو ساحرٍ، وكلِّ صارفٍ عن الخير، ومَن عُبد مِن دون الله، أو أُطيع في معصيةينظر: تاج العروس (22/540)، ولسان العرب (8/444)، ومختار الصحاح (1/191)..

واصطلاحًا: تنوعت عباراتُ أهلِ العلم في تعريفه ، ولا تكاد تخرج عن المعنى اللّغوي السّابق.

ومِن أجمع ما قيل فيه قولُ ابن القيم رحمه الله: "الطّاغوتُ: كلُّ ما تجاوز العبدُ به حدَّه مِن معبودٍ، أو متبوعٍ، أو مُطاعٍ، فطاغوتُ كلِّ قومٍ مَن يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه مِن دون الله، أو يتّبعونه على غير بصيرةٍ مِن الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنّه طاعةٌ لله"إعلام الموقعين (1/40)..

وقال القرطبيُّ رحمه الله: "وقيل: هو كلُّ معبودٍ مِن دون الله، أو مطاعٍ في معصية الله، وهذا حسن... وقيل: الجبت كلُّ ما حرّم اللهُ، والطّاغوتُ كلُّ ما يُطغي الإنسان"تفسير القرطبي (5/249)..

وقال ابن تيمية رحمه الله": "وهو اسمُ جنسٍ يدخل فيه: الشّيطانُ، والوثنُ، والكُهّان، والدّرهمُ، والدّينارُ، وغير ذلك"مجموع الفتاوى (16/565)..

بل إنّ أهل العلم أطلقوا لفظ "الطّاغوت" على ما يَعتمد عليه أهلُ البدع والفرق المنحرفة ويقدّمونه على الكتاب والسّنّة:

قال ابنُ القيّم رحمه الله: "وقد أَمرنا اللهُ بِردِّ ما تنازعنا فيه إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يُبِحْ لنا قطُّ أنْ نردَّ ذلك إلى رأيٍ، ولا قياسٍ، ولا تقليدِ إمامٍ، ولا منامٍ، ولا كشوفٍ، ولا إلهامٍ، ولا حديثِ قلبٍ، ولا استحسانٍ، ولا معقولٍ، ولا شريعةِ الدّيوانِ، ولا سياسةِ الملوكِ، ولا عوائدِ النّاس الّتي ليس على شرائعِ المسلمين أضرُّ منها، فكلُّ هذه طواغيتُ؛ مَن تحاكم إليها، أو دعا - منازعةً- إلى التّحاكم إليها، فقد حاكم إلى الطّاغوت"إعلام الموقعين (1/186)..

وقال عن كبار الأصول التي يرجع إليها أهلُ البدع في تحريف النّصوص:

"الفصل الرابع والعشرون: في ذكر الطّواغيت الأربع التي هَدم بها أصحابُ التّأويلِ الباطلِ معاقلَ الديّن، وانتهكوا بها حُرمةَ القرآنِ، ومَحَوا بها رسومَ الإيمانِ ...."الصواعق المرسلة (1/173)..

وممّا سبق يتبيَّن:

  1. أنَّ لفظ (الطّاغوت) يُطلق على معانٍ عديدة مِن البدع والمعاصي يجمعها أنها (رؤوسٌ في الضّلالة)، ومنها عدمُ الحكم بغير ما أنزل الله، لكنَّه ليس لفظًا خاصًا بالحكم بغير ما أنزل الله.
  2. أنّه لفظٌ يُطلقُ على ما هو كفرٌ، وعلى ما هو دون ذلك مِن البدع والضّلالات، أو المعاصي والذّنوب، أو الظُّلم والجَور، فمجرَّدُ إطلاقِ لفظ "الطّاغوت" لا يدلُّ على حكمٍ معيّن منهاقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "والطواغيت كثيرة والمتبين لنا منهم خمسة: أولهم الشيطان، وحاكم الجور، وآكل الرشوة، ومن عُبد فرضي، والعامل بغير علم" (الدرر السنية 1/137). .

  • ثانيًا: معنى الكفرِ بالطّاغوت:

ورد الأمرُ بالكفر بالطّاغوت في العديد مِن النّصوص الشّرعية، كقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: ٢٥٦].

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: ٣٦]. والكفرُ بالطّاغوت مع الإيمان بالله هو معنى شهادة التّوحيد (لا إله إلا الله).

ويكون الكفرُ بالطّاغوت باعتقاد تفرُّدِ الله تعالى باستحقاق جميع أنواع العبادة الاعتقاديّة، والقوليّة، والفعلية، واعتقادِ بطلانِ عبادةِ غير الله، والبراءة منه، سواءً كان مِن الأوثان أو الأصنام، أو الجنّ، أو المدّعين للألوهية والربوبية مِن الطغاة، أو الدجالين، أو المعاندين لله في التّشريع، ونحو ذلك.

وهذه العقيدة الصّحيحة هي التي تنعكس على جميع تصرّفات المسلم وتصبغها به، ومِن ذلك الولاء والبراء، فعن أبي أُمامةَ رضي الله عنه: أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أحبّ في الله، وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان)أخرجه أبو داود (7/69 ، برقم 4681)..

بل إنّ ذلك هو الطريقُ لنيل ولاية الله تعالى، فعن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: "أَحِبَّ في الله، ووالِ في الله، وعادِ في الله، فإنّما تُنال ولايةُ الله بذلك، لا يجد رجلٌ طعمَ الإيمانِ وإن كثرت صلاتُه وصيامُه حتى يكون كذلك"أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/134، برقم 34770)..

وبنطق الشّخص بكلمة التّوحيد، والاعتقاد بها؛ يكون مؤمنًا بالله تعالى، كافرًا بألوهية غيره تعالى.

قال ابنُ تيمية رحمه الله: "فالتّوحيدُ ضدُّ الشّركِ، فإذا قام العبدُ بالتّوحيد الذي هو حقُّ اللهِ، فعَبَدَه لا يُشرك به شيئا ًكان موحّدًا"مجموع الفتاوى (1/52)..

ومن المسائل المتعلِّقةِ بالكفرِ بالطاغوت والتي يَكثر فيها خطأُ الغلاةِ، وهي (طاعة الطّواغيت):

فإنَّ طاعةَ غيرِ الله وتقديمَها على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مِن بشرٍ، أو هوىً، أو غيره، تارةً تكون كفرًا مخرجًا مِن الملّة، وتارة تكون معصية، ومِن كلام أهل العلم في ذلك:

قال الطبري رحمه الله في قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]: "يعني: إنّكم إذًا مِثلُهم؛ إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالًا، فإذا أنتم أكلتمُوها كذلك فقد صرتُم مثلَهم مُشركين"تفسير الطبري (12/87)..

وقال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}[التوبة: 31]: "معناه أنّهم أنزلوهم منزلةَ ربّهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لِما لم يحرّمه الله، ولم يُحِلّه الله"تفسير القرطبي (4/106)..

وقد سُئل أبو العالية: كيف كانت الرّبوبيةُ في بني إسرائيل؟ قال: "إنّهم وجدوا في كتاب الله ما أُمروا به ونهوا عنه، فقالوا: لن نَسبق أحبارَنا بشيءٍ، فما أَمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنه انتهينا لقولهم. فاستنصحوا الرّجالَ، ونبذوا كتابَ الله، وراءَ ظهورهم"أخرجه الطبري (14/212)، وينظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/47)..

وقال ابنُ العربي رحمه الله: "إنّما يكون المؤمنُ بطاعة المشركِ مشركًا إذا أطاعه في اعتقادِه الذي هو محلُّ الكفر والإيمان؛ فإذا أطاعه في الفِعلِ، وعَقْدُه سليمٌ مستمرٌّ على التّوحيد والتّصديق فهو عاصٍ. فافهموا ذلك في كلِّ موضعٍ"أحكام القرآن (2/275)..

وقال ابنُ تيمية رحمه الله: "هؤلاء الذين اتّخذوا أحبارَهم ورهبانهم أربابًا حيث أطاعوهم في تحليلِ ما حرّم اللّهُ، وتحريم ما أحلّ اللّهُ يكونون على وجهين:

أحدهما: أنْ يعلموا أنّهم بدّلوا دينَ اللّه فيتبعوهم على التّبديل، فيَعتقدون تحليلَ ما حرّم اللّه، وتحريمَ ما أحلّ اللّه؛ اتباعًا لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دينَ الرّسل، فهذا كفرٌ، وقد جعله اللّهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم شركًا، وإن لم يكونوا يصلّون لهم ويسجدون لهم، فكان مَن اتّبع غيرَه في خلاف الدّين مع علمه أنه خلافُ الدّين، واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله اللّه ورسوله مشركًا مِثلَ هؤلاء.

والثاني: أن يكون اعتقادُهم وإيمانُهم بتحريم الحلالِ، وتحليل الحرام ثابتًا، لكنّهم أطاعوهم في معصية اللّه، كما يفعل المسلمُ ما يفعله مِن المعاصي التي يعتقد أنّها معاصٍ، فهؤلاء لهم حكمُ أمثالهم مِن أهل الذّنوب"مجموع الفتاوى (7/70)..

فيتَّضح ممّا سبق أنَّ اتّباعَ الطّواغيت وطاعتهم ليس كفرًا مخرجًا من الملّة على كل حال:

فإذا كانت الطاعة في تحليل الحرام، أو تحريم الحلال مع اعتقاد حلّ ما حرّم الله، أو تحريم ما أحلّ الله: فهي كفرٌ مخرجٌ مِن الملّة. أمّا إذا كانت الطاعة مع اعتقاد تحريمِ ما حرّم اللهُ، وتحليلِ ما أحلّ الله: فهي معصيةٌ وذنبٌ مِن الذّنوبِ، وليست كفرًا، ويكونُ التَّكفيرُ بها حينذاك من جنسِ فعلِ الخوارجِ في التكفيرِ بالذنوب.

  • ثالثًا: أولُ واجبٍ على العبدِ:

دلتَّ النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وأقوال أهل العلم، على أنَّ أولَ ما يجب على الشّخص هو توحيد الله تعالى، ويكون ذلك بالنّطق بالشهادتين:

فمِن الآيات القرآنية:

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].

وقوله:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}[هود:1-2].

وقوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} إلى قوله: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: 59- 65].

ومن السنة النبوية:

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، فقال: (ادعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنّي رسولُ الله، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ اللهَ قد افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ مِن أغنيائهم، وتُردُّ على فقرائهم)أخرجه البخاري (2/104، برقم 1395)، ومسلم (1/50، برقم  19)..

وعن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُمرتُ أنْ أقاتلَ النّاسَ حتى يشهدوا أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنّ محمّدًا رسولُ الله، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابُهم على اللهِ)أخرجه البخاري (1/14، برقم 25)، ومسلم (1/51، برقم 20)..

وعنه رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنّ محمّدًا رسولُ الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزكاة، والحجّ، وصوم رمضانَ)أخرجه البخاري (1/11، برقم 8)، ومسلم (1/45، برقم 16).، وفي لفظٍ لمسلمٍ: (على أنْ يُوحّدَ اللهُ)أخرجه مسلم (1/45، برقم 16).، وفي لفظٍ آخرَ له: (على أن يُعبدَ اللهُ، ويُكفرَ بما دونَه)التخريج السابق..

قال ابن حزم رحمه الله: "أوَّلُ ما يلزم كلَّ أحدٍ ولا يصحُّ الإسلامُ إلاَّ به: أنْ يعلم المرءُ بقلبه عِلْمَ يقينٍ وإخلاصٍ -لا يكون لشيءٍ مِن الشَّكِّ فيه أثرٌ- وينطقَ بلسانه ولابدَّ، بأنْ لا إله إلاَّ اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله"المحلى (1/22)..

وقال ابنُ دقيق العيد رحمه الله: "والبداءة في المطالبة بالشّهادتين؛ لأنّ ذلك أصلُ الدّين الذي لا يصحُّ شيءٌ مِن فروع الدّين إلا به"إحكام الأحكام (1/375)..

وقال ابنُ تيمية رحمه الله: "والمقصودُ هنا أنّ السّلفَ والأئمّةَ متّفقون على أنّ أوّلَ ما يُؤمر به العبادُ الشّهادتان"درء تعارض العقل والنقل (8/11)..

وقال النّووي رحمه الله: "واتّفق أهلُ السّنّة مِن المحدثين، والفقهاء، والمتكلمين على أنّ المؤمن الذي يُحكم بأنّه مِن أهل القبلة، ولا يُخلّد في النّار، لا يكون إلا مَن اعتقد بقلبه دينَ الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا مِن الشّكوك، ونطق مع ذلك بالشّهادتين"إحكام الأحكام (1/375)..

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو المشركين، والنّصارى واليهود إلى قول (لا إله إلا الله) والالتزام بها فحسب، مع ما هم فيه مِن الشّرك والضّلال والعبودية لغير الله، وتشريعِ ما لم يأذن له اللهُ، ولا يزيد على ذلك، بل كان يقبلُ ممّن يُظهرها، ولو كان غيرَ مؤمنٍ بها حقيقةً كالمنافقين، ثمّ كان يتعاهدهم بالتّعليم والتّوجيه للعمل بمقتضاها ولوازمِها، والتّحذير ممّا يخالفها.

فلفظُ الشّهادتين فيه نفيٌ وإثبات:

فالنّفي: نفي الألوهية واستحقاق العبادة عن كلّ أحدٍ في قول (لا إله)، وهو حقيقةُ الكفر بالطاغوت، والإثبات: إثباتها لله وحده في قول (إلا الله).

وهذا يقتضي البراءةَ مِن كلِّ معبودٍ سوى الله مِن الطّواغيت؛ لذا فإنَّه لم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحدٍ مِن صحابته المطالبةُ بالزيادة على النّطق بالشّهادتين مِن الكفر بالطواغيت، أو البراءة منها؛ لأنها داخلةٌ في الشهادتين.

قال ابن رجب رحمه الله: "ومِن المعلوم بالضّرورة أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كان يَقبل مِن كلِّ مَن جاءه يريد الدّخولَ في الإسلامِ الشّهادتين فقط، ويَعصم دمَه بذلك، ويجعله مسلمًا..."جامع العلوم والحكم (1/228)..

وإنّما قُدّم ذِكرُ الكفر بالطّاغوتِ على الإيمانِ بالله في قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ}؛ لأنَّ الإيمان بالله لا يصحّ مع الشّرك، فلزم الجمعُ بين النّفي والإثبات، وبين الكفر بما يُعبَدُ مِن دون الله والإيمان بالله؛ ليتحقّق التّوحيد الذي هو أوّلُ واجبٍ على العبيد، فليس الكفرُ بالطّاغوتِ واجبًا مستقلًّا يأتي به العبدُ أولًا قبل الإتيان بالتوحيد، بل هو جزءُ التوحيد الذي لا بدّ منه.

على أنّ الكفرَ بالطّاغوت المشترط في صحّة التّوحيد هو البراءة مِن الشرك وأهله على سبيل الإجمال، ولا يدخلُ فيه التبرّؤ مِن أعيانِ كلّ مَن يُزعَمُ أنّه طاغوتٌ، ثمّ يُمتحن النّاسُ بهم، ويُجعل معيارًا لصحّة الإيمان، وتحقيق التوحيد(د.عمار العيسى).!

إنَّ اشتراط الكفر بالطاغوت ابتداءً كما يقرّره الغلاة لثبوت وصف الإسلام للناس مبنيٌ على اعتقادِ أنّ الأصلَ في النّاس ابتداء هو الكفرُ، أو التوقُّفمِن آثار الغلو المعاصر ظهور بدعة (التوقٌّف والتبيُّن) والتي يُقصد بها التّوقف في الحكم على النّاس، فلا يُحكم عليهم بكفر أو إيمانٍ حتى يتبيَّنوا منهم، ويشمل ذلك التّوقف عن إقامة شعائر الدين معهم، من حضور الجمعة والجماعة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والنكاح والطلاق، والمواريث، وأكل الذبائح، ونحو ذلك مما له علاقة بالتّعامل بين المسلم والكافر، أو المسلم والمرتد، وهذه البدعة وإن لم تعد الجماعة التي تبنَّتها موجودةً على شكل جماعة واضحة التنظيم والملامح، إلا أنَّ أفكارها ما زالت موجودةً بين الغلاة، وتظهر في ثنايا كلامهم وأفكارهم وإن لم يصرحوا بها.، إلا مَن علموا هم إسلامَه بيقين.من أهم الفوائد التي يمكن الخروج منها من هذه المسألة أمران: الأول: السير في العملية التعليمية على طريقة النصوص الشرعية وما كان عليه السلف الصالح، من تعليم التوحيد، وكيفية تعبيد المسلم لله تعالى، بمعرفة أركان الإسلام، والإيمان، وبقية أمور العقيدة، مع التدرج في التحذير من المخالفات التي تخدش التوحيد أو تناقضه من خلال الأدلة الشرعية دون توسعٍ كبير، وتأخير تعليم نواقض الإسلام، وما يتعلق بالكفر إلى مراحل متقدمة في التعليم، واقتصار التوسع فيه على طلبة العلم، مع الاهتمام ببيان ضوابط التكفير، ومن له حق الحكم فيها. الثاني: اعتماد طريقة التفصيل في بيان نواقض الإسلام، أو ما يخالفه، دون الاقتصار على القواعد المختصرة العامة التي لا تراعي ضوابط التكفير، وشروطه، وقواعده العامة، وبمقررات خاصة بكل مرحلة، تناسب أعمارهم ومستواهم العلمي والعقلي. أما البدء بتعليم نواقض الإسلام منذ الصغر، وبقواعد عامة مختصرة لا تفصيل فيها قبل أن يتشرَّب الطالب معنى التوحيد والإيمان، وكيفية عبادة الله تعالى فهو مخالف لسيرة السلف الصالح في التعليم، ويفتح بابًا للخطأ في فهم المسائل، وتطبيقاتها، وقد يؤدي للغلو في إطلاق الأحكام ممن لم تترسخ قدمه في ذلك. إذ الواجب على عامة الناس معرفة توحيد الله تعالى، وعبادته، وتجنب ما يخالفها، لا كيفية الحكم على الآخرين بالكفر والردة.  !! 

  • رابعًا: إسلام المرتد: 

قد يعترض بعضُهم ويقول: إذا وقع المسلمُ في الردّة فلا بدّ أنْ يأتي مع شهادتِه بما جحده مِن الدّين، فمَن أطاع الطّواغيتَ، ورضي بهم، فلا بدَّ أن يكفر بهم عند دخوله في الدّين.

ويستدلون لذلك بقول الرّملي رحمه الله: "قال الكمال بن أبي شريف: ولا بد في إسلام المرتدّ مِن أن يأتي بالشّهادتين، ثم إن كانت ردّتُه بجحدِ فرضٍ، أو استباحة محرّمٍ، فلا بدّ مع ذلك أنْ يرجع عمّا اعتقده"فتاوى الرملي (4/26)..

وقول ابن قدامة رحمه الله: "وإن ارتدّ بجحود فرضٍ، لم يُسلِم حتى يُقِرّ بما جحده، ويُعيدَ الشّهادتين؛ لأنّه كذّب اللهَ ورسولَه بما اعتقده. وكذلك إنْ جحد نبيًّا، أو آيةً مِن كتاب الله تعالى، أو كتابًا مِن كتبه، أو ملَكًا مِن ملائكته الذين ثبت أنهم ملائكةُ الله، أو استباح محرّمًا، فلا بدّ في إسلامه مِن الإقرار بما جَحده"المغني (9/21)..
ويجاب بما يلي:

1.  إذا وقع المسلمُ في شيءٍ مِن الاعتقادِات الباطلة في الطّواغيتِ كأنْ يعتقد أنّ أحدًا مِن البشر يملك أنْ يُشَرِّع للنّاس، ويُحلل الحرام، أو يُحرّم الحلال، فيجبُ عليه أنْ يصحّحَ عقيدَتَه، ويشهد أنَّ التّشريع والتّحليلَ والتّحريمَ حقٌ لله تعالى وحده؛ ليصحّ كفرُه بالطّاغوت، لكن لا يُشترط استنطاقه بذلك.

بل يكفي في المرتدّ الذي ثبتت ردّتُه أن يشهدَ الشّهادتين لرجوعه إلى الإسلام، سواء كانت ردّتُه اعتقاديةً أو قوليةً أو عمليهً، ثمّ إن كانت ردّتُه بسبب جحدِ شيءٍ مِن الدّين فإنَّه يطالَبُ بالإتيان به لتصحّ عودتُه للدّين، علمًا أنَّ الجحدَ أمرٌ إضافيٌّ على مجرد القول أو الفعل متعلّقٌ بالقلب، فلا يثبتُ إلا بإقراره بلسانه.

قال الحجّاوي رحمه الله: "وتوبةُ المرتدِّ وكلِّ كافرٍ إسلامُه؛ بأنْ يشهدَ أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسولُ الله، ومَن كفر بجحدِ فرضٍ ونحوِه فتوبتُه مع الشّهادتين إقرارُه بالمجحودِ به، أو قولُ: أنا بريءٌ مِن كلِّ دين ٍيخالف دينَ الإسلام"زاد المستقنع ص (225)..

وقال ابنُ قدامةَ رحمه الله:"مَن كفر بغير هذا، فلا يحصل إسلامُه إلا بالإقرار بما جحده. ومَن أقرّ برسالةِ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنكر كونَه مبعوثًا إلى العالمين، لا يثبت إسلامُه حتى يشهد أنّ محمّدًا رسولُ الله إلى الخلق أجمعين، أو يتبرأ مع الشّهادتين مِن كلِّ دينٍ يخالف الإسلامَ. وإن زعم أنّ محمّدًا رسولٌ مبعوثٌ بعدُ غيرَ هذا، لزمه الإقرارُ بأنّ هذا المبعوثَ هو رسولُ الله؛ لأنّه إذا اقتصر على الشّهادتين، احتمل أنّه أراد ما اعتقده. وإن ارتدّ بجحودِ فرضٍ، لم يُسْلِمْ حتى يقرّ بما جحده، ويُعيدَ الشّهادتين؛ لأنه كذّب اللهَ ورسوله بما اعتقده. وكذلك إن جحد نبيًّا، أو آيةً مِن كتاب الله تعالى، أو كتابًا مِن كتبِه، أو ملَكًا مِن ملائكته الذين ثبت أنهم ملائكةُ الله، أو استباح محرّمًا، فلا بدّ في إسلامه مِن الإقرارِ بما جحده"المغني (9/21)..

2.  علمًا أنَّه ليس كلُّ مَن أطاع طاغوتًا أو عاش في تحت سلطانه فهو مؤمنٌ به كما يزعم الغلاةُ، فقد يكون معذورًا بعدم قدرته على مخالفته، أو مُكرهًا، ونحو ذلك من الأعذار. ولو كان مُطيعًا له فليست كلُّ طاعةٍ للطاغوت كفرًا كما سبق.

3.  ومن المسلَّم به أنَّ الحكمُ على مسلمٍ بالرّدّة إنّما يكون بدليلٍ صحيحٍ صريحٍ على كفرٍ وقع منه، لا شبهةَ له فيه، ولا تأويلَ، ولا عذرَ، ولا يكون ذلك إلا مِن محكمةٍ شرعيّةٍ أو عالم راسخٍ في العلم، بالشروط التي بيَّنها أهل العلم، لا بمجرّد شبهات الغلاة واتهاماتهم.

  • خامسًا: تكفيرُ المجتمع وامتحان النّاس:

مِن أعظم ما ابتليت به المجتمعاتُ الإسلامية في العصر الحالي بدعةُ تكفير المجتمعات، والذي بُني على عدّةِ أصولٍ فاسدةٍ في هذه المسألة، وهي:

1. تنزيل نصوص الكفر بالطّاغوت الواردة في الكفّار على المسلمين، ومِن تلك النصوص:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}[النساء: 60]، وقوله: {الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء: 76].
وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].

وحديث عَدي بنِ حاتمٍ رضي الله عنه قال : (أتيتُ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليبٌ مِن ذهبٍ، فقال: يا عَديُّ اطرح عنك هذا الوثنَ، وسمعتُه يقرأ في سورة براءة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، قال: أما إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئًا استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئًا حرّموه)أخرجه الترمذي (5/278، برقم 3095)..

وهذه النصوص وأمثالها إنّما وردت في الكفّارِ المشركين، ولم ترد في المسلمين أصلًا. فالاستشهادُ بها على مجتمعات المسلمين، وتنزيلُ أحكام المشركين الواردة فيها على المسلمين مِن سيرة الخوارج الأوّلين واللّاحقين؛ لأنَّهم قرؤوا النّصوصَ بمعزلٍ عن فهمِ أهلِ العلم وأقوالهم، ففهموها على غير وجهِها، ثمّ استدلّوا بها في غير موضعِها.

قال البخاري رحمه الله: "وكان ابنُ عمر، يراهم شرارَ خلقِ الله، وقال: إنّهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلتْ في الكفّار، فجعلوها على المؤمنين"أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة (9/16)..

وقال الشّاطبي رحمه الله: "ألا ترى إلى أنّ الخوارجَ كيف خرجوا عن الدّين كما يخرج السّهمُ مِن الصَّيد المرمِيّ؟ لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفهم: (بأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيَهم)، يعني -والله أعلم -أنهم لا يتفقّهون به حتى يصلَ إلى قلوبهم ...، فإنّه إذا عرف الرّجلُ فيما نَزلت الآيةُ أو السّورة عرف مخرجَها وتأويلَها، وما قُصد بها، فلم يتعدَّ ذلك فيها، وإذا جَهل فيما أُنزلت احتمل النّظرُ فيها أوجهًا، فذهب كلُّ إنسانٍ مذهبًا لا يذهب إليه الآخرُ، ...

وممّا يوضّح ذلك ما خرّجه ابنُ وهبٍ، عن بكيرٍ: أنّه سأل نافعًا: كيف رأيُ ابنِ عمرَ في الحرورية؟ قال: يراهم شرارَ خلق الله، إنّهم انطلقوا إلى آياتٍ أُنزلت في الكفّار، فجعلوها على المؤمنين فسّرَ سعيدُ بنُ جبيرٍ مِن ذلك، فقال: ممّا يتّبع الحروريةُ مِن المتشابه قولُ الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، ويقرنون معها: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]، فإذا رأوا الإمامَ يحكم بغير الحقِّ قالوا: قد كفرَ، ومَن كفر عدل بربِّه، ومَن عدل بربّه فقد أشرك، فهذه الأمّةُ مشركون، فيَخرجون فيقتلون ما رأيت؛ لأنّهم يتأوّلون هذه الآية "الاعتصام (2/692)..

ولم يكتف الغلاةُ بذلك، بل رتّبوا عليها أمرًا آخر في تنزيل نصوصِ البراءة التي وردت في الكفّار والمشركين على المسلمين، وجعلوها أصلًا للحُكم على المسلمين، ومحاكمتهم في موقفهم مِن البراءة ممّن يصفونهم بالمشركين، كقوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ}[آل عمران:28].

وقوله: {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}[المائدة:83].

وقوله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]فرقٌ بين الاستشهاد بالنّصوص التي نزلت في الكفار على المسلمين لتنزيل أحكام الكفار عليهم، وبين إيراد نصٍّ للاستشهاد بعموم لفظه على معنىً مِن المعاني التي تضمّنها دون إنزال حكمه، كالاستشهاد بقوله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ} [الحشر:2]، وقوله: {وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} [الكهف: 54]، وقوله: {وسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 94]. فهذا الاستشهاد جائز، وقد وقع من السّلفِ وأهل العلم كثيرًا، وهو يندرج تحت قاعدة (العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب)..

وهذا التّسلسل في الفهم المغلوط، وترتيب التكفير بعضه على بعض يؤدّي بهم إلى الوقوع في تكفير المجتمعاتِ، وعامّة النّاس.

وسبق قريبًا قولُ سعيد بن جبير الشّاطبي رحمه الله: "فإذا رأوا الإمامَ يحكم بغير الحقِّ قالوا: قد كفرَ، ومَن كفر عدل بربِّه، ومَن عدل بربّه فقد أشرك، فهذه الأمّةُ مشركون، فيَخرجون فيقتلون ما رأيت"الاعتصام (2/692)..

وقال ابنُ تيمية رحمه الله: "فهؤلاء أصلُ ضلالهم: اعتقادُهم في أئمة الهدى، وجماعة المسلمين أنّهم خارجون عن العدل، وأنّهم ضالّون، وهذا مأخَذ الخارجين عن السّنّة مِن الرّافضة ونحوهم، ثم يَعُدّون ما يرون أنّه ظلمٌ عندَهم كفرًا، ثم يرتّبون على الكفرِ أحكامًا ابتدعوها، فهذه ثلاثُ مقاماتٍ للمارقين مِن الحرورية والرّافضة ونحوهم، في كلِّ مقامٍ تركوا بعضَ أصول دين الإسلام، حتى مرقوا منه كما مرق السّهمُ مِن الرّمية"مجموع الفتاوى (28/497).

فإن قيل: إنَّ هؤلاء الطّواغيت قد كفروا وأشركوا بتحكيمهم وتحاكمهم لغير الشّرع.
فيقال لهم:

  • القاعدة في التعامل مع المسلمين: أنَّ من ثبت إسلامه بيقين، لا يزول عنه إلا بيقين، ولا يزول لمجرد التُّهمة أو الشبهة.

قال ابن تيمية رحمه الله: "ومن ثبتَ إيمانُه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجةِ وإزالة الشبهة"مجموع الفتاوى (12/501)..

وقال الغزالي رحمه الله: "وثبتَ أنَّ العصمة مُستفادة من قول (لا إله إلا الله) قطعًا، فلا يدفع ذلك إلا بقاطع"الاقتصاد في الاعتقاد (1/136)..

فالتعامل مع المسلم –أو المجتمع المسلم- المتهمِ بالوقوع بالكفرِ والرِّدة لا يكون بتنزيل أحكام الكفار عليه، بل في النظر في ثبوتِ الردة، وما يتعلَّق بها من أحكام. ففرقٌ بين اعتقادِ كفرِ الكافر الأصلي الذي لم يدخل الإسلامَ أصلًا، وهذا واجبٌ على كلّ مسلمٍ، وبين تكفير المسلم الذي تلبّس بالكفر وموجبات الرّدّة ، فهذا فيه التّفصيل.

  • ليس كلُّ حكمٍ بغير ما أنزل الله كفرًا أكبرَ، كما سيأتي تفصيل ذلك، وإنْ ثبت أنَّ هذا الحكم كفرٌ أكبرُ فلا يُكفَّر فاعلُه إلا بعد توافر الشّروط، وانتفاء الموانع، وممّن له أهليةُ النّظرِ في ذلك مِن العلماء الراسخين في العلم، أو الجهات القضائية، وإن ثبتَ كفره فلا يلزم كفر من أطاعه كما سبق.
  • ثمّ إنَّ الغلاة لمّا اعتقدوا في عموم النّاس الكفرَ والرضا بالطّاغوت ابتدعوا امتحانَهم في عقائدهم، و استتابتَهم:

وامتحانُ النّاس في عقائدهم وفي موقفهم مِن المخالفين مِن علامات أهل البدع والضّلال؛ فلم يكن الرسولُ صلى الله عليه وسلم وصحابتُه يمتحنون النّاس، ولم تظهر المحنة في العقيدة إلا على يد المبتدعة، حيث امتحن الخوارجُ النّاسَ في مسائل يظنّونها كُفرًا، ثمّ امتحنوهم في أشخاصٍ يعتقدون كفرَهم، وقتلوا مَن لم يوافقهم على تكفيرهم، كما ظهر الامتحانُ على يد المعتزلة في فتنة خلق القرآن، وعلى يد الرّافضة، ولا يزال أهلُ الابتداع والغلوّ يمتحنون النّاسَ في عقائدهم، وفي ولائهم أو براءتهم مِن أشخاصٍ أو جماعاتٍ أو أقوالٍ أو معتقداتٍ.

وهكذا فعل الغلاةُ المعاصرون، اخترعوا للنّاس مناهجَ ومعتقداتٍ، وفرقًا وجماعاتٍ مسمّياتٍ، ادّعوا أنَّ الحقَّ فيها وما خالفها فهو باطلٌ، ثم امتحنوا الناس عليها.

أمّا أهلُ السّنّة: فالأصلُ عندهم في المسلمين الإسلامُ، وصحّةُ العقيدة، فيَقبلون مِن النّاس ما ظهر منهم، ويتركون بواطنَهم لله تعالى، ويعقِدون ولاءَهم وبراءتهم للحقائق والمعتقدات، لا الدّعاوى والأسماء.

قال ابن تيمية رحمه الله: "بل الأسماءُ التي يسوغ التّسمي بها مثلُ انتساب النّاس إلى إمامٍ كالحنفي والمالكي والشّافعي والحنبلي ... فلا يجوز لأحدٍ أنْ يمتحن النّاس بها، ولا يوالي بهذه الأسماء، ولا يعادي عليها، بل أكرمُ الخلق عند الله أتقاهم مِن أيِّ طائفةٍ كان، وأولياءُ الله -الذين هم أولياؤه- هم الذين آمنوا وكانوا يتقون..."مجموع الفتاوى (3/415)..

وقال: "وليس لأحدٍ أنْ ينصب َللأمّةِ شخصًا يدعو إلى طريقتِه، ويوالي عليها، ويعادي غير النبي صلى الله عليه وسلم وما اجتمعت عليه الأمّةُ، بل هذا مِن فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يفرّقون به بين الأمّة، يوالون على ذلك الكلام أو تلك النِّسبة، ويعادون"مجموع الفتاوى (20/164)..

وأصل خطأ الغلاة في مسألة الامتحان في أمرين:

الأول: عدمُ التّفريق بين الامتحان البِدعي، وبين السّؤال المشروع عن المعتقد حين الحاجةِ إليه.

الثاني: تنزيلُ الأحكام العامّة المطلقة على جهاتٍ محدّدة، وأفرادٍ معيّنين دون التفريق بين الإطلاق والتعيين.

أما الأوّلُ: فقد ورد في الشّرعِ ما يدلّ على مشروعيةِ السّؤال عن الدّين أو المعتقد عندما يقتضي المقامُ ذلك، وتدعو الحاجةُ إليه لما يترتب عليه مِن أحكامٍ دنيوية، ومِن تلك الحالات:مِن عجائب الغلاة استدلالُ أحدِ منظّريهم على جواز امتحان النّاس في عقائدهم بامتحان الملَكين للأموات في القبر، وامتحان الخلق في أرض المحشر يوم القيامة، فقاس أحوالَ الدّنيا على الآخرة، وفعلَ الإنسان على فعلِ الملائكة، وفعل الله تعالى!.:

1- امتحانُ المؤمناتِ إذا قدمْنَ مهاجراتٍ عند وقوع المعاهدة مع الكفّار على ردّ مَن جاء منهم؛ لتُعلَمَ المؤمنةُ مِن غيرها، فلا تُرَدُّ إلى الكفّار؛ عملًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]؛ فإنَّه لـمّا كان هناك احتمالٌ لهجرتهنَّ ليس إيمانًا بالله ونبيه صلى الله عليه وسلم، بل فرارًا مِن الزوج أو غير ذلك مِن الأسباب شرع الله هذا الامتحان.

قال ابن كثير رحمه الله: ".. عن ابن عباس في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} كان امتحانُهنّ أنْ يَشهدْن أنْ لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا عبدُ الله ورسولُه. وقال مجاهد: {فَامْتَحِنُوهُنّ} فاسألوهن: عمّا جاء بهنّ؟ فإنْ كان بهنّ غضَبٌ على أزواجهنّ أو سَخْطةٌ أو غيره، ولم يؤمِنّ فارجعوهن إلى أزواجهنّ. وقال عكرمة: يقال لها: ما جاء بكِ إلا حبُّ الله ورسوله؟ وما جاء بك عشقُ رجلٍ منّا، ولا فرارٌ مِن زوجك؟ فذلك قولُه: {فَامْتَحِنُوهُنّ} وقال قتادة: كانت محنتُهنّ أنْ يُستحلفن بالله: ما أخرجكُنّ النُّشوزُ؟ وما أخرجكنّ إلا حبُّ الإسلام وأهلِه، وحِرصٌ عليه؟ فإذا قلنَ ذلك قُبِل ذلك منهنّ.. "تفسير ابن كثير (8/32)..

2- عند الشكّ في إيمان الرّقبة عند العتقِ، فلا بدّ مِن التأكّد مِن دينِها؛ ليحصل الإجزاءُ في الكفّارة، أو النّذر، ومنه حديث الجارية عندما سألها النّبي صلى الله عليه وسلم: (أين اللهُ؟ قالتْ: في السّماءِ، قال: مَن أنا؟ قالتْ: أنتَ رسولُ الله، قال: أعتقْها؛ فإنّها مؤمنةٌ)أخرجه مسلم (1/381، برقم 537)..

فلم يُعهد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يمتحن بذلك، لكن لـمّا كان في إيمان هذه الجارية شكٌّ سألها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كما أن المعروفين بالإيمان مِن الصّحابة لم يكن النّبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحدهم: أين الله، وإنّما قال ذلك لـمَن شكّ في إيمانه كالجارية" الاستقامة (1/192)..

3- التأكّدُ مِن سلامة الدّين والأخلاق عند التّزويج، وتولية الولايات العامّة، كالإمارة والقضاء؛ لتعلّقها بحقوق النّاس والولاية عليهم، وليس للحُكم على الشّخص ومعاقبته!.
قال ابن تيمية رحمه الله: "فإذا أراد الإنسانُ أنْ يصاحب المؤمنَ، أو أراد المؤمنُ أنْ يصاحب أحدًا، وقد ذُكر عنه الفجورُ، وقيل: إنّه تاب منه، أو كان ذلك مقولًا عنه سواء كان ذلك القولُ صدقًا أو كذبًا: فإنّه يمتحنه بما يظهر به برُّه أو فجورُه، وصدقُه أو كذبُه". 

وكذلك إذا أراد أنْ يولّي أحدًا ولايةً امتحنه؛ كما أمر عمرُ بنُ عبد العزيز غلامَه أن يمتحن ابنَ أبي موسى لـمّا أعجبه سَمْتُه فقال له: قد علمتَ مكاني عند أمير المؤمنين، فكم تعطيني إذا أشرتُ عليه بولايتِك؟ فبذل له مالًا عظيمًا، فعلم عمرُ أنّه ليس ممّن يصلح للولاية، وكذلك في المعاملات...

ومعرفةُ أحوال النّاس تارةً تكون بشهادات النّاسِ، وتارة تكون بالجرح والتّعديل، وتارة تكون بالاختبار والامتحان"مجموع الفتاوى (15/329)..

4. وقد ذكر عددٌ من أهل العلم صورًا من الامتحانِ لمصلحةٍ شرعية معتبرة كالتأكّد مِن سلامة المعتقد عند أخذ العلم، أو التدريس:

قال البربهاري رحمه الله: "والمحنة في الإسلام بدعةٌ، وأمّا اليوم فيُمتحن بالسّنّة؛ لقوله: إنّ هذا العلمَ دينٌ، فانظروا ممّن تأخذون دينَكم، ولا تقبلوا الحديثَ إلا ممَن تقبلون شهادتَه"شرح السنة (1/123)..

ويُلحظ على ما سبق:

  • أنَّ امتحانَ الرسول صلى الله عليه وسلم إنَّما كان في الأمورِ العامةِ الكُليّة التي يُعرف بها الإيمانُ من الكفر، بخلافِ امتحانِ الخوارج والمبتدعةِ الذي يكون على المسائلِ الدقيقة، والآراءِ الخاصة.

  • وأنّ السّؤال في الصّور السابقة كان في حالات مخصوصةٍ لداعٍ اقتضى ذلك، ولم يكن السّؤال عامًّا، ولا لكلّ أحدٍ.

الأمر الثاني: الفرقُ بين تقرير الحكم العام، وبين تنزيل الأحكام على أعيانٍ أو أفرادٍ.

على المسلم أنْ يعتقد وجوبَ الكفرِ بالطّاغوت، والبراءةِ مِن الكافرين؛ ليستقيم بذلك إيمانُه، وذلك مِن أصول الدّين وقواعده العظام ، كما سبق. ويختلف هذا عن تكفيرِ مَن وقع منه إخلالٌ في شيءٍ مِن ذلك؛ فإنه مِن تكفير الـمُعيَّن الذي لا يصحُّ إلا بشروطٍ تقدَّم ذكرها.

فاعتقادَ أنّ الحاكمَ الفلاني طاغوتٌ، أو أنّ الحكومة الفلانية طاغوتية هو مِن باب تنزيل الأحكام على الـمُعينين، وهي مِن المسائل الاجتهادية التي يختص أهلُ العلم والقضاء بالنّظر فيها، وليست مِن أصول الدين، ولا أركانه، ولا يجب على كلِّ مسلمٍ الإيمانُ بها، فضلًا عن امتحان النّاس بها. بل لا يجوز لعامة المسلمين الخوض فيها؛ لما يشترط فيها من علمٍ وأدلةٍ يقينية حقيقية، وفهمٍ لنصوص الشّرع، وأحكام التّكفير.

ولو أفتى بعضُ أهلِ العلم بكفر فلانٍ مِن الحكّام أو الحكومات، ولم يوافقهم على ذلك شخصٌ لما كان ذلك قادحًا في دينه وإيمانه، ما لم يكن مصحّحًا للكفرِ الذي وقع به هذا الحاكم، أو مخالفًا لإجماعٍ يقينيٍ مِن أهل العلم. 

وقد ترتَّب على خطأ تنزيل النّصوصِ التي وردت في الكفّار على المسلمين أنْ جعلوا تكفيرَ هؤلاء المسلمين هو عينُ ما أمر به الشّرعُ من الكفر بالطاغوت، والبراءة مِن المشركين، وجعلوه مِن أصول الدّين وأركانه التي لا يثبت إسلامُ المرءِ بدونها، وهذا غاية الخطأ والغلو.

ثمّ انتقلوا مرتبةً أخرى فامتحنوا النّاس على تنزيل هذه الأحكام، فمَن تابعهم عليها فهو مؤمنٌ، ومَن لم يتابعْهم عليها فهو عند بعضِهم مرجئٌ، وعند أكثرهم مرتدٌّ؛ لعدم تكفيره الكفّار، أو الشكّ في كفرهمفي بدايات ظهور تنظيم (الدّولة) في الرّقة وافتتاح مقراتهم ومعسكراتهم، منعوا الدّخول لهذه المعسكرات أو الانضمام إليها إلا بعد الإقرار بكفر الرئيسين محمد مرسي وأردوغان؛ لأنَّ تكفيرهم –في اعتقادهم- شرط لتحقيق الكفر بالطاغوت، وشمل ذلك الامتحان الدعاة الذين كانوا يمرون بالفصائل لإلقاء المحاضرات والدروس التوعوية المختلفة 

  • الخلاصةُ:

أنَّ الطاغوت يُطلق على معانٍ عديدة، وليس محصورًا بما يُعبد من دون الله، كما أنَّه ليس كلُّ طاغوتٍ كافرًا، ولا كلُّ إخلالٍ بالكفر بالطّاغوتِ يكون كفرًا، بل جميعُ ذلك قد يكونُ كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، وقد يكون دون ذلك.

1 - ينظر: تاج العروس (38/492)، ولسان العرب (15/7).
2 - ينظر: تاج العروس (22/540)، ولسان العرب (8/444)، ومختار الصحاح (1/191).
3 - إعلام الموقعين (1/40).
4 - تفسير القرطبي (5/249).
5 - مجموع الفتاوى (16/565).
6 - إعلام الموقعين (1/186).
7 - الصواعق المرسلة (1/173).
8 - قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "والطواغيت كثيرة والمتبين لنا منهم خمسة: أولهم الشيطان، وحاكم الجور، وآكل الرشوة، ومن عُبد فرضي، والعامل بغير علم" (الدرر السنية 1/137). 
9 - أخرجه أبو داود (7/69 ، برقم 4681).
10 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/134، برقم 34770).
11 - مجموع الفتاوى (1/52).
12 - تفسير الطبري (12/87).
13 - تفسير القرطبي (4/106).
14 - أخرجه الطبري (14/212)، وينظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/47).
15 - أحكام القرآن (2/275).
16 - مجموع الفتاوى (7/70).
17 - أخرجه البخاري (2/104، برقم 1395)، ومسلم (1/50، برقم  19).
18 - أخرجه البخاري (1/14، برقم 25)، ومسلم (1/51، برقم 20).
19 - أخرجه البخاري (1/11، برقم 8)، ومسلم (1/45، برقم 16).
20 - أخرجه مسلم (1/45، برقم 16).
21 - التخريج السابق.
22 - المحلى (1/22).
23 - إحكام الأحكام (1/375).
24 - درء تعارض العقل والنقل (8/11).
25 - إحكام الأحكام (1/375).
26 - جامع العلوم والحكم (1/228).
27 - (د.عمار العيسى).
28 - مِن آثار الغلو المعاصر ظهور بدعة (التوقٌّف والتبيُّن) والتي يُقصد بها التّوقف في الحكم على النّاس، فلا يُحكم عليهم بكفر أو إيمانٍ حتى يتبيَّنوا منهم، ويشمل ذلك التّوقف عن إقامة شعائر الدين معهم، من حضور الجمعة والجماعة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والنكاح والطلاق، والمواريث، وأكل الذبائح، ونحو ذلك مما له علاقة بالتّعامل بين المسلم والكافر، أو المسلم والمرتد، وهذه البدعة وإن لم تعد الجماعة التي تبنَّتها موجودةً على شكل جماعة واضحة التنظيم والملامح، إلا أنَّ أفكارها ما زالت موجودةً بين الغلاة، وتظهر في ثنايا كلامهم وأفكارهم وإن لم يصرحوا بها.
29 - من أهم الفوائد التي يمكن الخروج منها من هذه المسألة أمران: الأول: السير في العملية التعليمية على طريقة النصوص الشرعية وما كان عليه السلف الصالح، من تعليم التوحيد، وكيفية تعبيد المسلم لله تعالى، بمعرفة أركان الإسلام، والإيمان، وبقية أمور العقيدة، مع التدرج في التحذير من المخالفات التي تخدش التوحيد أو تناقضه من خلال الأدلة الشرعية دون توسعٍ كبير، وتأخير تعليم نواقض الإسلام، وما يتعلق بالكفر إلى مراحل متقدمة في التعليم، واقتصار التوسع فيه على طلبة العلم، مع الاهتمام ببيان ضوابط التكفير، ومن له حق الحكم فيها. الثاني: اعتماد طريقة التفصيل في بيان نواقض الإسلام، أو ما يخالفه، دون الاقتصار على القواعد المختصرة العامة التي لا تراعي ضوابط التكفير، وشروطه، وقواعده العامة، وبمقررات خاصة بكل مرحلة، تناسب أعمارهم ومستواهم العلمي والعقلي. أما البدء بتعليم نواقض الإسلام منذ الصغر، وبقواعد عامة مختصرة لا تفصيل فيها قبل أن يتشرَّب الطالب معنى التوحيد والإيمان، وكيفية عبادة الله تعالى فهو مخالف لسيرة السلف الصالح في التعليم، ويفتح بابًا للخطأ في فهم المسائل، وتطبيقاتها، وقد يؤدي للغلو في إطلاق الأحكام ممن لم تترسخ قدمه في ذلك. إذ الواجب على عامة الناس معرفة توحيد الله تعالى، وعبادته، وتجنب ما يخالفها، لا كيفية الحكم على الآخرين بالكفر والردة.
30 - فتاوى الرملي (4/26).
31 - المغني (9/21).
32 - زاد المستقنع ص (225).
33 - المغني (9/21).
34 - أخرجه الترمذي (5/278، برقم 3095).
35 - أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة (9/16).
36 - الاعتصام (2/692).
37 - فرقٌ بين الاستشهاد بالنّصوص التي نزلت في الكفار على المسلمين لتنزيل أحكام الكفار عليهم، وبين إيراد نصٍّ للاستشهاد بعموم لفظه على معنىً مِن المعاني التي تضمّنها دون إنزال حكمه، كالاستشهاد بقوله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ} [الحشر:2]، وقوله: {وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} [الكهف: 54]، وقوله: {وسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 94]. فهذا الاستشهاد جائز، وقد وقع من السّلفِ وأهل العلم كثيرًا، وهو يندرج تحت قاعدة (العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب).
38 - الاعتصام (2/692).
39 - مجموع الفتاوى (28/497).
40 - مجموع الفتاوى (12/501).
41 - الاقتصاد في الاعتقاد (1/136).
42 - مجموع الفتاوى (3/415).
43 - مجموع الفتاوى (20/164).
44 - مِن عجائب الغلاة استدلالُ أحدِ منظّريهم على جواز امتحان النّاس في عقائدهم بامتحان الملَكين للأموات في القبر، وامتحان الخلق في أرض المحشر يوم القيامة، فقاس أحوالَ الدّنيا على الآخرة، وفعلَ الإنسان على فعلِ الملائكة، وفعل الله تعالى!.
45 - تفسير ابن كثير (8/32).
46 - أخرجه مسلم (1/381، برقم 537).
47 - الاستقامة (1/192).
48 - مجموع الفتاوى (15/329).
49 - شرح السنة (1/123).
50 - في بدايات ظهور تنظيم (الدّولة) في الرّقة وافتتاح مقراتهم ومعسكراتهم، منعوا الدّخول لهذه المعسكرات أو الانضمام إليها إلا بعد الإقرار بكفر الرئيسين محمد مرسي وأردوغان؛ لأنَّ تكفيرهم –في اعتقادهم- شرط لتحقيق الكفر بالطاغوت، وشمل ذلك الامتحان الدعاة الذين كانوا يمرون بالفصائل لإلقاء المحاضرات والدروس التوعوية المختلفة

إضافة تعليق جديد