شبهات تنظيم الدولة وأنصاره والرد عليها: الشبهة الرابعة: تنظيمُ (الدّولة) يستمدُّ شرعيتَه مِن تاريخ الجهاد ومشايخه
تقول الشُّبهة: إن تنظيمُ (الدّولة) يستمدُّ وجودَه وشرعيتَه مِن تاريخ الجهاد في الأمّة الإسلامية، ومشايخُه هم مشايخ (تيار السّلفية الجهادية)، فهم الذين زكَّوا هذه (الدّولة) في السابق، وأقوالُهم في ذلك كثيرةٌ.
كما أنَّ هذا التّنظيمَ كان سباّقًا لرفع علم الجهاد في سورية عندما كان مع جبهة النّصرة. فهم الأحقُّ برفع راية الجهاد وقيادته.
الإجابة عن هذه الشبهة:
- أولًا:
يقصد تنظيمُ (الدولة) بالجهادِ ومشايخه زعماء تيارِ (السّلفية الجهادية) دون سائرَ علماء الأمة ومجاهديها، ومع ذلك فقد تبرّأ قادة هذا التيارِ مِن التّنظيم، وصرحوا بمخالفتهم له، وسحبوا اعترافَهم به حينَ خَالَفهم وخَرَج عن طاعتهم.
فقد كشفَ الظّواهري في كلمته "شهادةٌ لحقن دماء المجاهدين بالشّام" حقيقةَ العلاقة بين تنظيم القاعدة وتنظيم (الدولة) التي يبني التنظيم مشروعيته على أساسها، عبر النقاط التالية:
-
أنَّ القاعدة لم تُستأمر، ولم تُستشرْ، قُبيلَ إعلانِ قيامِ دولةِ العراقِ الإسلاميةِ.
-
أنَّ تنظيم (الدّولة) لم يكن مطيعًا للقاعدة مستجيبًا لأوامرها:
-
فهو لم يستأذنها في إنشاء (الدّولة) في العراق، ثم لم يستأذنها في إعلان التّمدُّد لبلاد الشّام، ولم يرضخ لطلبات القاعدة المستمرة في العودة إلى العراق.
-
أبو بكر البغدادي شخصٌ لا تعرفه قياداتُ القاعدة، وهو مجهولٌ بالنِّسبة إليها، وقد طالبت تنظيمَ (الدّولة) بالتّعريف به مرارًا فيما مضى.
-
مخالفةُ تنظيم الدّولة للقاعدة في بعض الأمور السياسية والعسكرية، على الرغم مِن تكرار الرّسائل في هذا الشّأن.
-
رفضُ تنظيم "الدّولة" تأسيسَ محاكمَ مستقلةٍ في الأحداثِ الأخيرة في سورية رغم مطالبات تنظيم القاعدةِ العديدة بذلك.
ثم كان هذا موقفُ كافّة شخصيات التّيار مثل أبي محمّد المقدسي، وأبي قتادة الفلسطيني، وغيرهممن ذلك بيان حال "الدولة الإسلامية في العراق والشام" والموقف الواجب تجاهها، للمقدسي، وثياب الخليفة، للفلسطيني.. كما أنَّ عامّة تيار "السّلفية الجهادية" والجماعات التّابعة له لم توافق التّنظيم على سياساته وتصرفّاته الأخيرة، بدءًا من إعلان الخلافة، وما تبعها من مواقف وقرارات.
ومثل ذلك ما ينقله تنظيمُ (الدّولة) مِن أقوال ومواقفَ لابن لادن وغيره: فقد ظهر للعلن وجود الخلافات القديمة مع تنظيم (الدّولة) حول عددٍ من الأمور منذ أيام العراق، والرسائل المتبادلة حول ذلك، والتي برَّر تنظيم (القاعدة) عدم الحديث عنها علانيةً في السابق بهدف الحفاظ على الجهاد، وعدم إعطاء فرصةٍ للأعداء للاستفادة مِن أيِّ خلافٍ يحصل، كما قرَّر ذلك أبو حفص الموريتاني (المفتي السابق للقاعدة).
فلم يبق قياديٌّ مِن قيادات تيار (السّلفية الجهادية) التي يحتجّون بتاريخها موافقًا لهم في مواقفهم الأخيرة، فكيف يَستدلّ تنظيمُ (الدّولة) على صحّة منهجه بتزكية تيار (السّلفية الجهادية) في وقتٍ دون وقتٍ؟! فثبت بطلانُ هذه المقولة والاستدلالُ بهاوهذه المواقف مِن تيار (السلفية الجهادية) هي ما أدت بتنظيم (الدولة) إلى تنسيق حملةٍ إعلاميةٍ شرعيةٍ على قيادات التيار لإسقاطها وسحب المشروعية لصالح التنظيم عن طريق اتهام التيار بالانحراف عن المنهج الصّحيح، وخيانة الأمانة، وبالتالي يصبح تنظيم (الدولة) هو الوريث الوحيد والمؤتمن على فكر تيار (السلفية الجهادية). ومن ذلك ما قاله العدناني في كلمته الأخيرة (قل للذين كفروا ستغلبون) مخاطبًا أمريكا: "فقد جرجرناك إلى حربين في خراسان والعراق" مع أنَّه لم يكن لتنظيم (الدولة) وجود في أفغانستان ولا مشاركة في حروبها! . بل إن تنظيم (الدولة) قد طعن في القادة التاريخيين لهذا التيار وأسقطهم، ووصف عددًا منهم بالإرجاء، والضّلالفقد احتوى العدد (6) من مجلة دابق التي تصدر باللغة الإنجليزية على عددٍ من المقالات التي وصفت كلًا من الظواهري، والملا عمر، وأبا محمد المقدسي وأبا قتادة بالضّلال، كما رمت تنظيمَ القاعدة وقياداته -بما فيهم ابن لادن بالإرجاء.، فكيف يصحُّ لهم أنْ يقولوا بعد ذلك: إنهم امتدادٌ لهم، أو إنَّ أولئك المشايخ يشهدون لهم؟!اهتمت العديدُ مِن التحليلات ببيان حقيقة الخلاف بين تنظيم (الدولة) وتيار (السلفية الجهادية) بتنظيماته المختلفة، ويمكن الإشارة في هذا المختصر إلى أهمِّ نقطتين في هذا الخلاف: الأولى تنظيمية: تتمثل في رفض قادة تنظيم (الدّولة) الانصياع لقرارات قيادة التيار، وما ترتب عليها من اختلاف وجهات النظر في أولويات العمل، وخاصة في سوريا، ثم تطوّر إلى خلافٍ حول شكل التنظيم، وهيكليته، تبعه دخولُ أشخاص غير مرضيين أو معروفين للقاعدة، مما أدى إلى خروجه عن الطاعة والالتزام بالأوامر، وهو أساس الخلاف الذي انبثقت عنه أحكام التكفير، والقتال فيما بعد. الثانية فكرية: وتتمثل في بضعة اجتهادات شرعية انفرد بها تنظيم (الدولة) سواء في التّوسع في تطبيقات بعض مسائل التكفير، أو في العمليات العسكرية كمًا ونوعًا. وقد رافقت بوادرُ الخلاف تنظيمَ (الدّولة) منذ أيام بيعة الزرقاوي لابن لادن، لكن جرى التكتّم عليها لأجل (مصلحة الجهاد) كما قيل، حتى خرجت إلى العلن مؤخرًا، ثم تطور إلى قتالٍ بين فرعي التيار. وعلى الرغم مِن هذا الخلاف إلا أنَّ الأساس الفكري والعقدي لتيار (السلفية الجهادية) بجميع فروعه مبني على تبنِّي حمل السلاح منهجًا للتغيير ضد الحكومات والأنظمة في العالم الإسلامي والتي يصفونها بـ (العميلة والمرتدة المبدّلة لشرع الله)، بناء على مبادئ الحاكمية وقواعد الولاء والبراء كما يرونها، مع الاقتصار على عددٍ محدودٍ من المراجع الشرعية دون علماء الأمة ومشايخها. وبمراجعة أدبيات منظري التيار كالمقدسي والفلسطيني يتَّضح مدى التوافق في الأصول العقدية والفكرية، بل إنَّ المقدسي غرَّد بعد فترة طويلة من الخلاف معهم بقوله عن نفسه: "أنا شيخهم الذي علمهم التوحيد"! علمًا أنَّ تيار (السلفية الجهادية) يشتمل على توجهات متفاوتة بين الغلو والاعتدال، وإن كانت تلتزم في أصولها على تقعيدات منظري التيار وتأصيلاتهم. ويمكن هنا الإشارة إلى أنَّ الشخصيات الذين تنتسب إليهم هذه التيارات (كعبد الله عزام، وابن لادن، وخطاب، وغيرهم) لم تكن تعتنق غالب الأفكار والمعتقدات الحالية التي يحملها هذا التيار، من غالب مسائل التكفير، ومنها: - تكفير الحكومات؛ حيث كانوا يطردون من معسكراتهم من يعتنق هذه الأفكار. - أو وصف النافرين إليهم بالمهاجرين؛ حيث كانوا يصفونهم بالأنصار وينهونهم عن التقدم في أي بلد حلوُّا فيه. وغير ذلك كثير، مما يستدعي إعادة النظر في تاريخ التّغيرات الحاصلة في هذه التيارات، وأسبابها، والشخصيات التي تقف وراءها، ومن ثم حقيقة انتماء هذه التيارات لهذه الشخصيات التي تكتسب مشروعيتها من اسمها..
- ثانيًا:
أنَّ أهل العلم والفتوى والجهاد والرأي والمشورة غيرُ محصورين بتنظيمٍ أو انتماءٍ معيّن، بل هم مِن عموم الأمة وجمهورها منذ عشراتِ السنين، وهم من قام الجهادُ والعلمُ والدعوةُ على أيديهم وبجهودهم، وقد رفض علماءُ الأمّة ومجاهدوها هذا التّنظيم، وحكموا عليه بالانحراف عن الدين.
وقد صدرت كثيرٌ مِن الفتاوى والبيانات مِن جهاتٍ علميّةٍ تضمُّ علماءَ مِن مختلف البلاد الإسلامية، ترفض أفكارَ التّنظيم، وتُبيِّن عقيدتَه، وهي فتاوى يطول جمعُها، وفيما يلي ذكرُ بعضها:
-
فتوى الروابط والهيئات الشّرعية السورية بأنَّ القتال القائم بين الكتائب المجاهدة وتنظيم (الدّولة) ليس قتالَ فتنةٍ، وإنّما هو قتالُ فئةٍ خارجةٍ عن الشّرع، وباغيةٍ على المسلمينينظر فتوى (هل القتال القائم بين الكتائب المجاهدة وتنظيم (الدولة) قتال فتنة؟) http://islamicsham.org/fatawa/1549..
-
فتوى هيئة الشام الإسلامية، والتي سبقت بكشف عقيدة التنظيم الخارجيةينظر فتوى: هل تنظيم (الدولة الإسلامية) من الخوارج؟ http://islamicsham.org/fatawa/1945..
-
بيان لكبرى الفصائل المجاهدة في سورية بهيئاتها الشرعية (ممثلة بالجبهة الإسلامية) حول ادعاء الخلافة، والذي قرروا فيه أنَّ تنظيم الدّولة تنظيمٌ خارجي، وأنَّ خلافتَه غيرُ شرعيةوهي: فتوى حول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام http://sy-sic.com/?p=263 وبيان المجلس الإسلامي السوري بشأن الحرب على الإرهاب http://sy-sic.com/?p=182 وبيان توضيحي حول تنظيم دولة العراق والشام http://sy-sic.com/?p=244.
-
عدة فتاوى وبيانات للمجلس الإسلامي السوريوهي: فتوى حول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام http://sy-sic.com/?p=263 وبيان المجلس الإسلامي السوري بشأن الحرب على الإرهاب http://sy-sic.com/?p=182 وبيان توضيحي حول تنظيم دولة العراق والشام http://sy-sic.com/?p=244.
-
بيان هيئة علماء المسلمين بالعراق: الذي رفضت فيه إعلانَ الخلافة، ورأت أنه يصب في غير مصلحة المسلمينينظر بيان (رقم (1003) المتعلق بإعلان تنظيم الدولة الإسلامية الخلافة في العراق وسوريا) http://www.iraq-amsi.net/ar/news_view_75741.html.
-
مواقف عامة الفصائل المجاهدة في العراق منذ نشأة تنظيم (دولة العراق الإسلامية)، ومِن الإصدارات الحديثة إصدار جيش المجاهدين "الدّولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم" لأميرها أبي عبدالله المنصوروقد صدر للفصائل العسكرية في العراق وهيئاتها الشرعية المختلفة الكثيرُ مِن البيانات والفتاوى والمواقف لبيان حال تنظيم (دولة العراق الإسلامية) أيام الحرب في العراق..
-
بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي قرَّر أنَّ إعلان خلافة البغدادي مِن قبل تنظيم الدّولة بالعراق يفتقد لأيِّ معايير شرعية وواقعية، وحذّر مِن فتح باب الفوضى في الاجتهادات، بعيدًا عن أهل الحل والعقد للأمة الإسلامية مِن علمائها وفقهائها ومتخصّصيها.
-
بيان رابطة علماء المسلمين في السودان، والتي رفضت إعلانَ الخلافة، وبيَّنت أنَّ التنظيم جماعةٌ خارجية.
-
جماهير علماء الأمة وعلمائها مِن السوريين وغيرهم، الذين رفضوا أفكار التنظيم وتصرفاته، وإعلانه للخلافة، ووصفه العديد منهم بالخروج عن جماعة المسلمين، ولكثرتهم يصعب حصر أسمائهم، ولا يكاد المرء يجد أحدًا منهم مؤيدًا للتنظيم!
- ثالثًا:
ادعاء تنظيم (الدّولة) أنَّه مَن بدأ الجهادَ في سورية غيرُ صحيحٍ، فأهلُ البلاد هم مَن بدأ هذه الثورة الجهادية المباركة، بالإضراب، ثم بالمظاهراتمنذ انطلاق الثورة السورية المباركة واكبتها جهود أهل العلم والفتوى ببيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالثورة، فكانت سبّاقة إلى ذلك قبل أيِّ تنظيمات غالية، ومن ذلك ما قدّمته هيئة الشام الإسلامية، فكان مِن أوائل الفتاوى (حكم دفع الزكاة مقدمًا لإغاثة الشعب السوري ؟)، و(هل يطيع الأوامر بقتل المتظاهرين لينجي نفسه؟)، و(هل يسمى المقتول على أيدي النظام السوري شهيدًا؟)، وغيرها، ينظر: http://islamicsham.org/fatawa. ثم لما تحولت الثورة إلى جهاد مسلح صدر (ميثاق المقاومة السورية) ثم شرح في (شرح ميثاق المقاومة السورية)، والذي يُعنى ببيان أحكام الجهاد في سوريا http://islamicsham.org/versions/715.، ثم انتقلوا للعمل المسلح عندما أجبرهم تعاملُ النّظام على ذلك. وغالبُ التّجمّعات الجهادية الموجودة اليوم ظهرت وباشرت عملَها قبل أن يكون لتنظيم (الدّولة) أو (النصرة) وجودٌ في سورية.
بل إنَّ قادة جبهة النّصرة –والتي كان زعماء وقادة تنظيم (الدّولة) ضمنَها- ذكروا أنَّ سببَ مجيئهم لسورية وتأسيس حركتهم تلك: نصرةُ الشّعب السوري، وإعانتُه على مواجهة النّظام، وأنّ ذلك لم يكن ليحدث لولا الثّورة السورية.
قال الجولاني في مقابلته على قناة "الجزيرة" بتاريخ 19/12/2013م:
"توالت علينا ظروفٌ في العراق، ونحن أجسادُنا هناك، وقلوبُنا كانت معلّقةً في أرض الشّام إلى أن بدأت الثورةُ السّورية ... الشّام لم تكن مهيأة لدخولها لولا الثورة السورية ... هذه الثورة دفعت أو أزالت الكثيرَ مِن العوائق التي مهّدت لنا الطريقَ في الدّخول والوصول إلى هذه الأرض المباركة" انتهى.
فجميعُ التّنظيمات الجهادية في سورية تدين للثورة السورية بالفضل في وجودها وانطلاقة شرارتها، ثم الانضمام لها، ودعمها، واحتضانها، وتوفير الجو الملائم لاستمرارها، وتمكينها مِن العمل.
- رابعًا:
ليست العبرةُ بمَن بادر إلى (إعلان) الجهاد، أو كونه أولَ مَن بدأ به، فالأولويةُ لا تعني الحقَّ دائمًا؛ بل قد تعني التّسرُّع والتعجُّل، كما ظهر ذلك في الحركات الخارجية والمنحرفة مِن الزنادقة والباطنيين، التي أعلنت (الجهاد) ضدَّ دولة الخلافة الراشدة، والدّولة الأموية، والدّولة العبّاسية.
لكنَّ العبرة في صحة الجهاد: موافقتُه للشرع، وتحقُّق المصلحة منه، فإن صحَّ منهجُ الجماعة التي أعلنت الجهادَ: فعملها وجهادها صحيحٌ ومقبولٌ، وإن تأخّرت في الظّهور، وإن ظهر فسادُ منهجها: فعملُها وجهادُها باطلٌ ومردودٌ، وإن تقدَّمت في الظّهور.
وقد (بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات مناديًا ينادي في النّاس: أنّ مَن ضيّق منزلًا، أو قطع طريقًا، فلا جهادَ له)أخرجه أبو داود (4/268، برقم 2629).
فإذا كان هذا جزاء من ضيَّق منزلاً أو قطع طريقًا على مسلم، فماذا بقي من جهاد من قتل المجاهدين والدعاة، واعتنق عقائد الخوارج الغلاة؟ وأضر بالجهاد والبلاد والعباد؟
- خامسًا:
على فرض أنَّ تنظيمَ (الدّولة) هو أولُ مَن أعلن الجهاد، فإنَّ هذا لا يُبيح له أن يتحكَّم في الجهاد والدّولة دون مشورةٍ مِن المسلمين، أو أن ينفردَ بالقيادة عنهم، أو أنْ يؤمِّر عليهم مَن لا قبولَ لهم به ولا رغبة، وخاصّة مَن هو مِن خارج البلاد، وعلى هذا كان مشايخُ الجهاد وقيادات المجاهدين في كلِّ بلادٍ حَلُّوا فيها مِن أفغانستان، إلى الشّيشان، والبوسنة، وغيرها، وعلى هذا كان تاريخ الجهاد الذي يزعمون أنهم يستمدون شرعيتهم منهقال الشيخ عبد الله عزام في كتابه "بشائر النصر" ص (14): "لا تنس أنك ضيف على الأفغان، وأن هؤلاء القوم مهدوا لك السبيل لأداء فريضة الجهاد، فالفضل لله أولًا وآخرًا ثم لهم فاحفظ لهم هذه المنة". وكان يرفض هو والعديد من قادة الجهاد تسلم أي مناصب في الدول التي يجاهدون فيها، ولهم في ذلك كلام كثير، وتحذير كبير.!
فإن قيل: هؤلاء المسلمون الأوائل خرجوا مِن الجزيرة العربية وفتحوا البلاد وحكموها، ومازالوا كذلك إلى وقتٍ قريب.
فيُجاب عن ذلك: بأنّ هؤلاء الأمراء الفاتحين كانوا معروفين بأشخاصهم، وأحوالهم، وقد ارتضاهم الناسُ حكامًا لهم، وكانوا يخضعون لسلطة حاكمٍ واحدٍ مستقرِّ الحكم، واجب الطاعة، يحقّ له أن يعزلَ أو يعيّن بحسب المصلحة، وكانت هذه المدن والأقاليم تابعةً لدولةٍ واحدةٍ مهما تباعدت أطرافُها ومسافاتها.
فأين هم مِن قادة هذا التّنظيم المجاهيل بالعين والحال؟ والذين يعتنقون الأفكارَ والعقائد المنحرفة، ويتوصّلون إلى السّلطة بالطرق المخادعة والمجرمة؟ ويفرضون أنفسَهم على النّاس دون مشورةٍ أو رأي؟ ويجدون بسبب ذلك معارضةً ومقاومة؟
فالقياس غيرُ صحيح.
- كما أنَّ مراعاةُ أهلِ البلاد ووجهائها ومقدَّميها في شؤونهم العامة، وفيمن يحكمهم له أصلٌ في الشرع، ومِن ذلك:
-
عندما أراد النّبي -صلى الله عليه وسلم- الهجرة إلى المدينة لم يهاجر حتى أسلم عددٌ مِن أهلها، وعاهدوه أن يحموه ويكونوا أنصارًا له.
-
إذا كان الأمر يخصُّ أهلَ بلدٍ ما فإنه كان يستشيرهم دون غيرهم، كما استشار الأنصار دون المهاجرين في الخروج لقتال قريش في غزوة بدر.
-
وعندما كان يرسل للبلدان مَن يعلّمهم أمور دينهم كان يرسل لهم مِن أهل بلدهم؛ ليكون ذلك أحرى بقبول الدّعوة، كما أرسل أبا موسى الأشعري قاضيًا على اليمن.
-
وكذلك كان القضاةُ يعيَّنون مِن أهل البلد في كثير مِن الأحيان.
ثم إنَّ المسلمين لم يكونوا يتشوَّفون للحكم والسّيطرة، وقمع معارضيهم مِن المسلمين كما هو حال تنظيم (الدّولة)، الذي جعل الإمارة والبيعة وإقامة الدولة نصب عينيه، وقدَّمها على مدافعة المحتل المعتدي، ثم والى وعادى عليها، إلى حدِّ أن كفَّر كل من عادها، كما سيأتي الإشارة له.
بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل إلى الملوك والحكام يقول لهم فيها: "أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَجْعَلْ لَك مَا تَحْتَ يَدَيْك"كما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هَوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة. ينظر: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، لابن سيّد الناس (2/338)..
وكان صلى الله عليه وسلم يأتيه مِن القبائل والأقوام مَن يتعلّم أمورَ الدّين، ثم يعود إلى قومه يعلّمهم، ويقوم بشؤونهم.
فشتان بين الأمرين!قال أبو بصير الطرطوسي في مقالة "لا يُؤَمُّ المرءُ في سُلطانه": "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن زار قومًا فلا يؤمّهم، وليؤمّهم رجلٌ منهم)، وقال: (ولا يُؤمُّ الرّجلُ في بيتِه، ولا في سلطانه، ولا يُجلسُ على تكرمتِه [أي مكان جلوسه] في بيتِه إلا بإذنه). قال السلف: صاحب المنزل أحقُّ بالإمامة من الزائر. قلتُ: قياسًا عليه؛ فكما لا يؤمُّ الزائرُ الوافدُ القومَ في الصلاة مراعاةً لحقوق وحرمة ومشاعر صاحب المنزل والدار .. وكما أنَّه لا يجوز للزائر الوافد أن يجلس على أريكة مُضيفه في بيته إلا بإذنه .. كذلك لا يجوز له أن يؤمّه في شؤون الحكم، والسياسة، وإدارة البلاد .. أو أن يجلس على كرسي الحكم .. إلا بإذنه، وبعد رضاه .. بل هذا المعنى أولى مِن سابقه .. وأشدُّ حساسية .. وأظهر في الاعتداء على مشاعر وحقوق وحرمة الطرف الـمُضِيف. وأيما ضيفٍ وافد لا يراعي هذا الأدب، وهذا التوجيه النبوي العظيم .. سيدخل في خصومة مع صاحب الحقّ والدّار .. لا محالة .. ولا يلومنَّ إلا نفسه!"..
- والخلاصةُ:
أنَّ عامّةَ علماء الأمّة، ومجاهديها، قد حكموا بانحراف تنظيم (الدّولة) وضلاله، وخروجه عن عقيدة الأمّة وجماعتها، فدعوى التّنظيم أنّه على منهج المجاهدين أو مشايخهم ادعاءٌ باطلٌ مردودٌ، حتى من كان قريبًا من منهجه كتيار (السّلفية الجهادية).
المصدر: كتاب "شُبهات تنظيم "الدولة الإسلامية" وأنصاره والرَّد عليها" الشبهة الرابعة، د. عماد الدين خيتي
إضافة تعليق جديد