الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445 هـ

غياب شيكاو: هل يعني صعود داعش في نيجيريا؟

13 ذو القعدة 1442 هـ


عدد الزيارات : 3406
د. حمدي عبدالرحمن

غياب شيكاو: هل يعني صعود داعش في نيجيريا؟

في 20 مايو 2021م، أفادت منصَّة إعلاميَّة نيجيريَّة ومصادر أخرى أنّ زعيم "بوكو حرام" المخضرم "أبو بكر شيكاو" قُتِلَ على يد أعضاء فصيل منشق يُمثّل تنظيم الدولة في غرب إفريقيا بزعامة "أبو مصعب البرناوي".

ورغم أنّه في اليوم التالي تمّ الإعلان الرسمي عن مقتل رئيس أركان الجيش النيجيري الجنرال "إبراهيم أتاهيرو" في حادث تحطّم طائرة مع 10 ضباط آخرين في حادث غير قتالي؛ ولذا فإنّ من غير المحتمل أن يؤثّر هذان الحدثان على طبيعة التوازن الهشّ المستمرّ منذ سنوات بين الجيش النيجيري والتنظيمات الإرهابية العنيفة؛ حيث إنّنا أمام حالة أشبه بموقف لا غالب ولا مغلوب.

مقتل شيكاو وصراع المصالح:

"أبو بكر شيكاو" زعيم "بوكو حرام"، أُعِلَنَتْ وفاته مِن قبل أكثر من مرَّة، ثم يُعاود الظهور مرّة أخرى بعد إعلان مقتله، غير أنَّ الإعلان هذه المرَّة يبدو مختلفًا؛ حيث زعمت جماعة تنظيم الدولة في غرب إفريقيا -المنافس التقليدي لبوكو حرام- أنّ "شيكاو" فجَّر سترة ناسفة في نفسه خلال معركة بالأسلحة النارية في غابة سامبيسا في 19 مايو 2021م؛ لتجنُّب أَسْره وإجباره على التخلّي عن قيادة جماعته.

ووصف "البرناوي" في خطابه الذي ألقاه بلغة الهوسا "شيكاو" بأنّه "زعيم العصيان والفساد". وقال: إن مقاتليه ابتهجوا بوفاته.

وقال: إنّ الزعيم الإرهابي السابق الذي تولَّى السلطة بعد وفاة مؤسس بوكو حرام "محمد يوسف" في عام 2009م قد تمَّ القبض عليه "بأكثر الطرق إذلالاً". ارتكب هذا الشخص إرهابًا وقتلاً ونهبًا وتعدّيًا على الحدود لا يمكن تصوُّره، لكنَّ الله أملى له وأطال عمره، وعندما حان الوقت أرسل الله جنودًا شجعانًا بعد أن تلقّوا أوامر من أمير المؤمنين.

 وبحسب أبو مصعب البرناوي فإنّ الزعيم المؤقَّت للدولة في العراق والشام (داعش) أمرَهم بالتحرُّك ضد شيكاو لانحرافه وقتله "المؤمنين"، عندئذ حمل مقاتلو داعش في ولاية غرب إفريقيا أسلحتهم، وسافروا عبر الصحراء، وذهبوا إلى مخبأ شيكاو، واشتبكوا في معركة بالأسلحة النارية مع أتباعه. في البداية تمكّن من الهرب عبر أشجار غابة سامبيسا لمدة خمسة أيام؛ حيث عانى بشدة. ومع ذلك تمكّن مقاتلو داعش من تحديد مكانه.

وطبقًا لرواية أبو مصعب البرناوي؛ نجح شيكاو في الهرب مرة ثانية، لكن تمت مطاردته، وحثّه المقاتلون المنافسون هو وأتباعه على الاستسلام، مؤكّدين له أنّه إذا قرَّر زعيم داعش أن يجعله قائدًا لهم بعد استسلامه فلن يكون أمامهم خيار سوى الانصياع.

وبحسب أبو مصعب: "فضّل شيكاو أن يُذَلَّ في الآخرة على أن يُذَلَّ في الأرض، لقد قتَل نفسه على الفور بتفجير عبوة ناسفة".

وحثَّ أبو مصعب مقاتلي داعش في بحيرة تشاد على عدم الجلوس مكتوفي الأيدي ومشاهدة فصيل من بوكو حرام -لا يزال مواليًا لشيكاو- يغزو منازلهم، ويقتل ويختطف زوجاتهم وأطفالهم ويحولهم إلى عبيد.

سيرة شيكاو ونمط قيادته:

 نهاية مأساوية وغامضة -إن صدقت هذه المرة- لزعيم بوكو حرام في الغرب الإفريقي أبو بكر شيكاو، الذي قضى عقدًا من الزمان في دائرة الضوء، لكنَّ سيرة حياته العامة لا تزال تُشكِّل لغزًا مُحيِّرًا.

حتى سنة ميلاد شيكاو يصعب تحديدها؛ حيث تشير مصادر مختلفة إلى تواريخ من منتصف الستينيات إلى منتصف السبعينيات.

انتقل من قرية شيكاو في ولاية يوبي الريفية شمال شرق نيجيريا إلى مايدوجوري عاصمة ولاية بورنو المجاورة وهو صبيّ.

ووجهت ولاية غرب إفريقيا انتقادات يبدو أنّها تستهدف أسلوب قيادة شيكاو، واتهمته بالتصرّف بطريقة ديكتاتورية، ورفض قبول المشورة أو النقد، واختلاس غنائم التنظيم لنفسه بما في ذلك المال والنساء الأسيرات. وتمّ توجيه النقد بشكل خاصّ إلى عمليات القتل السرّية غير المبرَّرة للعديد من كبار المقاتلين الذين اعتبرهم شيكاو تحدّيًا لسلطته.

وبالمثل، شكّكت ولاية غرب إفريقيا في لياقة شيكاو للقيادة العسكرية؛ حيث إنّه لا يستطيع "حماية نساء وأهل بيت جنوده"، أو تزويد جنوده بـ"الذخيرة الكافية".

شعرت ولاية غرب إفريقيا بالتهديد الشديد من وجود شيكاو، كما اتضح من رسالتها في يونيو 2018م المؤلفة من 120 صفحة، وهي أطول رسالة مكتوبة على الإطلاق تتضمن لائحة اتهام صريحة ضد شيكاو، ووصفت الوثيقة شيكاو بأنّه "ورم" خبيث يجب استئصاله.

وضع شيكاو بصمة عنيفة على مسار بوكو حرام منذ صعود نجمها في عام 2009م، عام الانتفاضة الإرهابية التي شنَّتها بوكو حرام ضد السلطات النيجيرية بعد أن أعدمت الشرطة محمد يوسف بدم بارد في أعقاب الاشتباكات الدامية بين الطرفين؛ وقد حشد شيكاو باقي الأعضاء الراغبين في استكمال المسيرة، وأخذوا التنظيم تحت الأرض ليعمل بشكل سرّي.

 غالبًا ما كان شيكاو يقف ضد أيّ محاولة للحوار والتفاوض مع الحكومة النيجيرية. على سبيل المثال: من المحتمل أنّه أمر باغتيال أحد أصهار مؤسّس الحركة محمد يوسف عندما حاول بدء حوار مع الرئيس السابق أولوسيغون أوباسانجو في عام 2011م، ولم يكن شيكاو يهتم سوى بالتفاوض على فدية الرهائن.

في غضون ذلك، اعتمد على شبكة علاقات بعض المسلحين ذوي التفكير المعولم داخل صفوف بوكو حرام؛ حيث أقام شيكاو صلات مع الحركات المسلحة الأخرى، ولا سيما تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم القاعدة العالمي.

ومن المعروف أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قدّم المال والتدريب لبوكو حرام.

 بيد أنَّ العلاقة توترت في أواخر عام 2011م، حيث تجاهل شيكاو نصيحة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأثار استعداء بعض الوسطاء الرئيسيين للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي داخل بوكو حرام.

من جهة أخرى، سرعان ما توترت علاقة شيكاو اللاحقة بتنظيم الدولة (التي استمرت رسميًّا من مارس 2015 إلى أغسطس 2016م)، ممَّا أدَّى إلى ظهور فصيل ولاية غرب إفريقيا في عام 2016م.

ربما يكون تدريب تنظيم الدولة وتمويلها ومدخلاتها قد عزَّز الفصيل المنشق عن بوكو حرام إلى حدّ ما, وصقل حساباته حول كيفية التعامل مع المدنيين، لكننا في نهاية المطاف أمام فصيلين متطرّفين يعتمدان في نجاحهما على البقاء في المناطق النائية؛ حيث تكون الدولة ضعيفة.

ما تأثير وفاة شيكاو؟

من المحتمل جدًّا أنّنا سوف نشهد توطيدًا لنفوذ فصيل داعش بزعامة البرناوي في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد؛ مما يضعهم في وَضْع يسمح لهم بالحصول على المزيد من الأموال من تنظيم الدولة، وجذب المزيد من المجنَّدين والأتباع.

 ومن الملاحظ أنّ شعبية داعش تتزايد في غرب إفريقيا، ليس فقط لأنّها تتجنّب استهداف المدنيين، ولكن لتقديمها خدمات عامة للسكان في المناطق التي تغيب فيها الدولة إلى حدّ كبير.

إنّ المظالم التي تتمحور حول عدم المساواة والفقر والتهميش الاجتماعي تُشكّل بيئة خصبة يتم استغلالها مِن قِبَل فصيل داعش للحصول على مزيد من الأفراد والنفوذ.

ومع ذلك، فإنّ أنشطة داعش لها سقفٌ محدود لن تقوى على تخطّيه.

 يضع الموقف الراهن المتمثّل في عدم الاستقرار العميق في ريف ولاية بورنو وضواحيها عبئًا كبيرًا على الملايين المتضرّرين من انعدام الأمن والفقر والتشرّد والجوع هناك، ويبدو أنّ النخبة النيجيرية تظهر قبولاً لتوازن الوهن القائم على استراتيجية لا غالب ولا مغلوب.

بَيْدَ أنّه إذا زادت داعش من طموحاتها بشكل كبير من خلال محاولة الاستيلاء على عاصمة بورنو "مايدوجوري" فمن المرجَّح أن يصدّ الجيش الهجوم أو يتحرَّك بسرعة لاستعادة المدينة إذا سقطت كما حدث مع محاولات بوكو حرام وسيطرتها على الأراضي في عام 2015م.

هناك أيضًا احتمال تدخُّل قوات أجنبية، حتى على حساب مفاهيم السيادة النيجيرية.

ويصبح السؤال بعد ذلك: إلى أي مدى يمكن أن تقوم داعش بالإخلال بمبدأ التوازن القائم؟

 إذا حافظت داعش على حالة الجمود الراهن يكون بمقدورها الحفاظ على نفوذها الكبير، والقدرة على تحصيل الضرائب من بعض سكان الريف، والتمتّع بقدر كبير من الاستقلال الذاتي وحرية التنقل.

خاتمة:

في السنوات الماضية، أعطى الرئيس بخاري الأولوية للخيار العسكري للتخلُّص من التهديد الإرهابي، وهي استراتيجية لم تحقق سوى نجاح محدود.

صحيح أنّه في الوقت الحالي لا توجد أراضٍ تديرها الجماعات المسلحة، ولكن مع ذلك لا تزال عمليات تدفُّق الأسلحة والقدرة على الحصول على التمويل لأعضاء الجماعات الإرهابية مستمرةٌ.

وعليه، لن يساعد موت شيكاو أثناء محاربة خصومه المسلحين في تعزيز ثقة النيجيريين في جيشٍ يُنْظَر إليه على أنّه ضعيفٌ ومتعسِّف وفاسد.

 ينبغي أن تتبنَّى الدولة النيجيرية استراتيجية أوسع تُعلِي من الحلول السياسية والتنموية من أجل معالجة الأسباب الجذرية للصراع. عندئذ فقط يمكن الإعلان عن دَحْر منظومة الإرهاب والتطرُّف.

 

المصدر: قراءات إفريقية

إضافة تعليق جديد