الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445 هـ

إضاءات فكرية

رحمة أهل السنة بالمخالفين... ابن تيميّة نموذجًا

18 ذو الحجة 1440 هـ


عدد الزيارات : 3176
​الحضرمي أحمد الطلبه

 

المقدمة:

الاختلاف أحد المظاهر الجمالية في هذا الكون الدالّة على قدرة الله عز وجل، وهو في البشر طبعي، نظرًا لطبيعة اللغة وطبيعة البشر، والحياة التي يعيشون، فالبشر فيهم الذكر والأنثى، وفيهم من يميل إلى التيسير، وفيهم من يميل إلى التعسير، وفيهم الذكي والغبي والبليد، وكلٌّ مبتلى فيما آتاه الله من القدرات، وقد اقتضت قسمة الله للأخلاق والأرزاق بين الناس أن يتفاوت الناس في طريقة استيعابهم لطبيعة الخلاف الواقع بينهم، وذلك لما يسود العلاقة بين الناس من الدقّة وصعوبة تصورها، فحقوق الناس مبنية على المشاحّة، كما قال الله: {وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ}[النساء: 128].

قال ابن عطية: "والشُّحَّ: الضبط على المعتقدات والإرادات والهمم والأموال ونحو ذلك، فما أفرط منها ففيه بعض المذمة، وهو الذي قال تعالى فيه: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ}[الحشر: 9]. وما صار إلى حيّز منع الحقوق الشرعية، أو التي تقتضيها المروءة فهو البخل، وهي رذيلة لكنها قد تكون في المؤمن، ومنه الحديث (قيل: يا رسول الله أيكون المؤمن بخيلًا؟ قال: نعم)رواه مالك في الموطأ برقم (864).. وأما الشُّحَّ ففي كل أحد، وينبغي أن يكون، لكن لا يفرط إلا على الدين، ويدلك على أنّ الشح في كل أحد قوله تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ}[سورة النساء:128]. وقوله: {شُحَّ نَفْسِهِ} فقد أثبت أن لكل نفس شحًّا"تفسير ابن عطية (2/120)..

فالشحّ جار في حياة الناس وفي علاقاتهم سواء كانت اجتماعية، أو عقدية، أو سياسية أو مالية، وقد جاء الأنبياء لضبط هذا الاختلاف بالشرائع، ومعالجة الآثار السلبية المترتبة عليه، فهدى الله بهم الناس لما اختلف فيه من الحق بإذنه وجعل هذه الهداية مقصدًا من مقاصد النبوة: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِين}[النحل: 39]. فهدى الله بهذا البيان خلقًا كثيرًا إلى العدل، واستقامت حياة الناس بالتمسك بالشرائع، ولم يكن من سبيل إلى جمع الناس على الحق غير شرائع الأنبياء، لأنّ أهواء الناس لا تنضبط وطبائعهم تختلف بعدد أنفاسهم، ثم الناس بعد الأنبياء لا يحسن حالهم إلا باتباع منهجهم، وملخصه في هذا الباب: اتباع الحق والرحمة بالخلق، وهو التحقق العملي لقول الله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة}[البلد:17 ]. وهو منهج الذين آمنوا كما في الآية.

ونظرًا لما تشهده الأمة الإسلامية عمومًا، والصف السُنِّي خصوصًا من الظلم والبغي في الجانب العلمي، فإننا سوف نحاول تركيز العدسة البحثية من أجل إبراز هذه السمة السنّية، وهي الرحمة بالمخالف، ونزاهة الآليات في التعامل معه، ونبيّن المستند الشرعي في ذلك، ثم نأخذ نموذجًا لعالم سُنيّ مؤثّر في المشهد العلمي في جميع جوانبه في الأصول والفروع والمعتقد والسياسة، ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وسوف نتناول الموضوع في عناوين مختصرة أولها:

 

الموقف من الخلاف:

لا شكّ أنّ المسافة بين المختلفين تتحدّد بمعرفة طبيعة الخلاف بينهم، ونوعيته، فالخلاف ممكن الوقوع في أمور كلّية قطعية كأصول الدين، كما أنّه ممكن -بل وارد- في الأمور الفرعية الجزئية، وفي كلتا الحالتين هناك أخلاقيات عامة يُتَعَامَلُ بها مع جميع المخالفين، بغَضِّ النظر عن نوع الخلاف معهم.

وبالنسبة للخلاف في أصول الدين والأحكام القطعية، فإنّه ينبغي أن يكون محسومًا لا مجاملة فيه ولا مداهنة، ويجب ردّه وتبيين مخالفته، لكن هذا كله لا يعني التجاوز في حقّ المخالف بالظلم وعدم الإنصاف، فالإنصاف يوجب تفاوت الحكم بين أهل الملة الواحدة، وذلك لاختلاف أحوالهم، ففيهم الجاهل والمقلّد والعالم ومتّبع الهوى، وباغي الحق الذي لم يُوفَّق في الوصول إليه، وقد بيّن الإمام ابن القيم طريقة التعامل مع المخالفين على اختلاف أحوالهم فقال: "فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكنّهم مخالفون في بعض الأصول - كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم- فهؤلاء أقسام:

أحدها: الجاهل المقلّد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يُكفّر ولا يُفسّق، ولا تُردّ شهادته، إذا لم يكن قادرًا على تعلّم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوًّا غفورًا.

 

القسم الثاني: المتمكّن من السؤال وطلب الهداية، ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالًا بدنياه ورياسته، ولذّته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مفرّط مستحقّ للوعيد، آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنّة والهدى، رُدَّت شهادته، وإن غلب ما فيه من السنّة والهدى، قُبلت شهادته.

 

القسم الثالث: أن يسأل ويطلب، ويتبيّن له الهدى، ويتركه تقليدًا وتعصبًا، أو بغضًا أو معاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته: أن يكون فاسقًا، وتكفيره محلّ اجتهاد وتفصيل، فإن كان معلنًا داعية: رُدَّت شهادته وفتاويه وأحكامه، مع القدرة على ذلك، ولم تُقبل له شهادة، ولا فتوى ولا حكم، إلا عند الضرورة، كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم، وكون القضاة والمفتين والشهود منهم، ففي رد شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فساد كثير، ولا يمكن ذلك، فتقبل للضرورة"الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص (147)..

 

محل الشاهد: التفريق بين الضرورة وغيرها، والتفريق بين أصناف الفرقة الواحدة، فالخلاف في أصول الدين والأمور القطعية -وإن كان غير سائغ، ويجب رده- لكن لا يعني التخلّي عن أخلاق الخلاف من العدل والرحمة والحرص على اتباع الحق، وعدم ردّ قول القائل لمجرّد مخالفته، دون النظر إلى دليله.

والضابط في معرفة الخلاف المردود الذي يُنكر على صاحبه ويُردّ عليه، أن يكون الحامل له على القول أحد أمور: الجهل بالشرع، واتباع الهوى، أو الكبر العلمي، فإنه في هذه الحالة يُرد قوله، ويُنكر عليه ويُغلّظ، قال الشاطبي في معرض كلامه عن الأسباب التي تُوجب ردّ قول القائل وعدم اعتباره وأنّ منها: "أن يعتقد هو في نفسه أنّه من أهل الاجتهاد وأنّ قوله معتدّ به، وتكون مخالفته تارة في جزئيٍّ وهو أخف، وتارة في كليٍّ من كليات الشريعة وأصولها العامة، كانت من أصول الاعتقادات أو الأعمال، فتراه آخذًا ببعض جزئياتها في هدم كلياتها، حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا راجعَ رجوع الافتقار إليها، ولا مُسَلِّمَ لما روي عنهم في فهمها، ولا راجع إلى الله ورسوله في أمرها، كما قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: 59]. ويكون الحامل على ذلك بعض الأهواء الكامنة في النفوس، الحاملة على ترك الاهتداء بالدليل الواضح وَاطِّرَاحِ النَّصَفَةِ، والاعتراف بالعجز فيما لم يصل إليه علم الناظر، ويعين على هذا الجهل بمقاصد الشريعة، وتوهّم بلوغ درجة الاجتهاد باستعجال نتيجة الطلب، فإنّ العاقل قلَّما يخاطر بنفسه في اقتحام المهالك مع العلم بأنّه مخاطر، وأصل هذا القسم مذكور في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[آل عمران: 7]. وفي "الصحيح" أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية، ثم قال: (فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم)سنن أبي داود برقم (4598).، والتشابه في القرآن لا يختصّ بما نص عليه العلماء من الأمور الإلهية"الموافقات للشاطبي (4/189).​.

 

وأما الخلاف في المسائل الظنية: فهو على قسمين:

القسم الأول: الخلاف الشاذ الضعيف.

القسم الثاني: الخلاف القوي (السائغ).

أما الأول: فإنّه وإن كان في مسائل ظنّية، فإنّه لا اعتبار له، وذلك لمخالفته للدليل، ولأنّه لو اعتبر لانخرمت الشريعة، والقول باعتباره يرفع باب الترجيح في الشريعة، ولأنّ الشريعة جاءت حاكمة بين المتنازعين رافعة للخلاف فلا وجه لاعتبار المخالفة مع ظهور ضعفها، "فالأصوليون اتفقوا على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة إذا لم يمكن الجمع، وأنّه لا يصح إعمال أحد دليلين متعارضين جزافًا من غير نظر في ترجيحه على الآخر، والقول بثبوت الخلاف في الشريعة يرفع باب الترجيح جملة، إذ لا فائدة فيه ولا حاجة إليه على فرض ثبوت الخلاف أصلًا شرعيًّا لصحّة وقوع التعارض في الشريعة لكن ذلك فاسد، فما أدى إليه مثله"الموافقات (4/64)..

ومن أمثلة هذا النوع من الخلاف: اعتبار كرامات الأولياء مسوّغًا للعمل دون الرجوع إلى الدليل، أو النظر في موافقتها له، ومن أمثلته في باب العمل: إباحة ربا الفضل، وقتل المسلم بالكافر، ونكاح المتعة، على أنّ هذا الخلاف ليس مثل الخلاف في المسائل القطعية التي مرّت معنا، بل هو أخف وطأة منه، لكن محل الإنكار فيه أنّه لا يراعى في الفتوى، ولا في الأحكام القضائية، فمن أفتى بقول في مسألة ظنية خالف فيه دليلًا، أو قياسًا، أو إجماعًا لم يُقبل قوله إن كان مفتيًا وينقض حكمه إن كان قاضيًا، فالمفتي والقاضي مُتَعَبَّدانِ بالراجح المبني على غلبة الظن، قال القلاوي:

ولم يجز تساهل في الفتوى     بل تحرم الفتوى بغير الأقوى

وكـل عالم بــذاك عُــرفا       عن الفتاوى والقضـاء صُـــرفا

وكل من لم يعتــبر ترجـيحا       فــــعلمــــه ودينه أجيـحانظم بو طليحية للنابغة القلاوي (ص 64)، قوله: أجيحا: الجوح الاستئصال. اللسان (2/120).

وذكر ما ضعف ليس للعمل      إذ ذاك عن وفاقهم قد انحظل

فهذا يُنكر ويُرد وإن كان لا يُنفى عن صاحبه العذر، وإمكانية إصابة الأجر، إلّا أنّه لا يُعتبر من حيث قبوله في القضاء والفتيا دون ضرورة، قال في المراقي:

ولمراعاة الخلاف المشتهر         أو المراعاة لكل ما سطر

وكونه يُلْجِي إليه الضرر           إن كان لم يشتدّ فيه الخور

وثبت العزو وقد تحققا              ضُرًّا من الضُّرُّ به تعلقا

"يعني أنّ الضعيف يذكر في كتب الفقه لما ذكر، ولكونه قد تُلْجِئ الضرورة إلى العمل به بشرط أن يكون ذلك الضعيف غير شديد الخور، أي: الضعف، وإلا فلا يجوز العمل به، وبشرط أن يثبت عزوه إلى قائله خوفًا من أن يكون ممن لا يقتدى به لضعفه في الدين أو العلم أو الوَرَع، وإلا فلا يجوز العمل به، وبشرط أن يتحقق تلك الضرورة في نفسه، فلا يجوز للمفتي أن يفتي بغير المشهور لأنّه كما قال المسناوي لا يتحقق الضرورة بالنسبة إلى غيره كما يتحققها من نفسه، ولذلك سدّوا الذريعة، فقالوا: تمنع الفتوى بغير المشهور خوف أن لا تكون الضرورة محقّقة، لا لأجل أنّه لا يُعمل بالضعيف إذا تحققت الضرورة يومًا ما"نشر البنود (2/277).​.

 

أما الثاني وهو: الخلاف القوي السائغ: وهو الذي تتنازعه الأدلّة الصحيحة، فهذا النوع من الخلاف سائغ ولا تأثيم فيه، بل هو وارد وأمثلته في فروع الشريعة لا تنحصر، فقد حصل بكثرة بين الصحابة والسلف، والمختلفون كلّهم ما بين مصيب للحق أو الأجر، ولم يُعرف عن أحد من السلف أنّه حمله على الخصومة والتقاطع، وأغلب خلاف أتباع المذاهب الأربعة محمول على هذا النوع من الخلاف، ففيه سعة ورحمة على العلماء والعامة، فالعلماء يعلمون أنّه مجال للاجتهاد والاستنباط فيُعمِلون أفكارهم وعقولهم من أجل الوصول إلى الأقرب للحق والصواب، مع العلم أنّهم مأجورون أصابوا أم أخطؤواينظر: حجة الله للدهلوي (1/36).، وأمّا العامة فيجدون فسحة في الاتّباع بحسب أحوالهم، ولذا قال عمر بن عبد العزيز: "ما أحب أن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا، لأنه لو كان قولاً واحدًا كان الناس في ضيق، وإنّهم أئمة يقتدى بهم، وإذا أخذ الرجل بقول أحدهم كان في سعة"إجمال الإصابة في أقوال الصحابة (ص 80).، وقال ابن قدامة المقدسي: "فإِن الله برحمته وطَوله وقوته وحَوله، ضَمِنَ بقاء طائفة من هذه الأمة على الحقَ لا يضرّهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وجعلَ السبب في بقائهم بقاءَ علمائهم، واقتداءهم بأئمتهم وفقهائهم، وجعلَ هذه الأُمّة مع علمائها كالأمم الخالية مع أنبيائها، وأَظهرَ في كل طبقة من فقهائها أَئمة يُقتدى بها، ويُنتهى إلى رأيها، وجعل في سلف هذه الأمَّة أئمة من الأعلام، مَهَّدَ بِهم قواعد الإسلام، وأوضح بهم مشكلات الأحكام، اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة"المغني (1/120)..  وليس معنى تسويغ الخلاف تصويب جميع الآراء المختلفة، بل لتبيين أنّها دائرة بين إصابة الحق وإصابة الأجر.

وإذا تبيّن للقارئ الموقف من الخلاف وأنواعه، فإنّنا سوف نبين له الموقف من المخالِف وهو الذي وقع منه الخلاف، ولتقريبِ المسألة وجمعِ شتاتها فإنّنا سوف نكتفي بنموذج سُنِّي يعتبر تحققًا عمليا للموقف السُنِّي من المخالف، واختياره ليس لأنّه اختص بهذه الخصلة من بين سائر العلماء السُنِّيِّين، ولكن لكونه ظُلم مرتين: ظَلَمَه أتباعه الذين لم يعقلوا مراده ولم يفهموا منهجه، كما تعمّد كثير من خصومه قراءة فكره قراءة انتقائية يغلب عليها استحضار الخصومة الثقافية، ويغيب عنها الميزان العلمي القائم على العدل.

وسوف نتناول موقف ابن تيمية من المخالف في ثلاث عناوين:

أولًا: رحمة ابن تيمية بالمخالف ودعوته لجمع الكلمة:

الحياة العملية للشيخ أكبر شاهد على هذا المبدأ، فقد كان رجل إطفاء بين الأشاعرة والحنابلة رغم خلافه مع الأشاعرة، ودعى للتآلف بينهم ونبذ الخلاف، وقد حكى ذلك الواقع فقال: "والناس يعلمون أنّه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفًا لقلوب المسلمين، وطلبًا لاتفاق كلمتهم، واتباعًا لما أُمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلت عامة ما كان في النفوس من الوحشة، وبيّنت لهم أنّ الأشعري كان من أَجَلِّ المتكلّمين المنتسبين إلى الإمام أحمد رحمه الله"الفتاوى (3/227-228)..

وحين وقعت بينه وبين ابن مخلوف عداوة وخلاف، وَصَفَ نيّته فيه وحِرْصِه على الخير له، فكان يقول في حقّه: "وأنا والله من أعظم الناس معاونة على إطفاء كل شرّ فيها وفي غيرها وإقامة كل خير، وابن مخلوف لو عمل -مهما عمل والله- ما أقدر على خير إلا وأعمله معه، ولا أعين عليه عدوه قط، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه نيتي وعزمي، مع علمي بجميع الأمور، فإنّي أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين ولن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين"الفتاوى (3/271).. وقد أقرّ القاضي المالكي ابن مخلوف نفسه بفضله ورحمته به، فقال متحدثًا عنه: "ما رأينا مثل ابن تيمية! حرّضْنا عليه، فلم نقدر عليه، وقَدِرَ علينا فصفح عنا، وحاجج عنا"ينظر: البداية والنهاية لابن كثير (14/54).​.

وكان شعاره مع المخالف عمومًا ما قال هو عن نفسه: "فلا أحبّ أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه، فإنّي قد أحللت كل مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكلّ مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حلّ من جهتي، وأمّا ما يتعلّق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم، وإلا فحكم الله نافذ فيهم، فلو كان الرجل مشكورًا على سوء عمله لكنت أشكر كل من كان سببًا في هذه القضية لما يترتب عليه من خير الدنيا والآخرة"الفتاوى (28/54-55).​.

فهذه الكلمات من الإمام تبيّن بجلاء للقارئ المنصف كيف كان حاله مع من يختلف معهم، وكيف دعا إلى الألفة والتسامح والعفو بين المختلفين.

وحتى لا تبقى القضية محلّ استشكال من القارئ فإنّنا نخصص الموضوع أكثر وأكثر، ونقرب العدسة لنتكلم عن عين الخلاف وحقيقته وكيف تعامل معه، وذلك ما سوف نتناوله في الموضوع الموالي.

 

ثانيًا: موقف ابن تيمية من المخالف في أصول الدين:

لقد كان موقفه من المخالف في أصول الدين علامة مميّزة له ومحدّدة تكشف بُعده عن اتباع الهوى، وتمكّنه من المنهج الذي يدعو إليه، وكيف استطاع أن يتمثّله حتى وهو في معمعة الخلاف ومعارك الكلام ومتشابهات الألفاظ، فقد كان في تقريره للقضايا يدرك بحاسة العالم المحقق الفروق بين المختلفين، كما يدرك بفرقان المؤمن الخائف من ربّه ضرورة العدل في حقّ مَن يتكلم عنهم، ويتعرض لمذاهبهم دراسة وتحقيقًا، ونقدًا وتدقيقًا.

ويظهر موقف ابن تيمة المنسجم من المخالف في قضيتين أساسيتين:

  • القضية الأولى: الموقف من التكفير:

فقد بيّن بوضوح موقفه ممن خالفه وتعدّى حدود الله فيه بالتكفير، فقال: "هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنّه وإن تعدى حدود الله فيَّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية، فأنا لا أتعدّى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمًّا بالكتاب الذي أنزله الله، وجعله هدى للناس حاكمًا فيما اختلفوا فيه"الفتاوى (3/254)..

ومع تأكيده على العدل في الحكم على المخالف وردّه إلى ميزان الشرع، فإنّه بيّن أنّ هذا الموقف ليس موقفًا تورعًا فقط، بل هو منهج متّبع عند أئمة السلف من أهل السنة والجماعة فيقول: "فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفِّرون مَن خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفِّرهم، لأنَّ الكفرَ حكمٌ شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله"ينظر: الردّ على البكري (ص 260)..

فلم يجعل مجرّد المخالفة أو الوقوع في الخطأ سببًا في إجراء حكم التكفير على المخالف، بل قيَّد ذلك بقيام الحجة، ويضرب مثالًا حيًّا للتثبت في الحكم على المخالف والعدل في حقه ولو كان مخالفًا في أصول الدين فيقول: "ولهذا كنتُ أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش، لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرًا، لأنّي أعلم أنّ قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنّكم جهّال، وكان هذا خطابًا لعلمائهم وفضلائهم، وشيوخهم وأمرائهم، وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم من قصور في معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له، وكان هذا خطابنا"الاستغاثة في الردّ على البكري (ص 358).. فهذا حاله مع كبراء القوم وعلمائهم ممن تصدّوا له، وكانت بينه وبينهم احتكاكات فكرية قوية لا ينضبط فيها بالشرع إلا من وفّقه الله، فمعلومة هي مخاطر مضايق الجدال ومحارات العقول.

وبالرغم من تعقيد المهمّة التي كان يمارسها ابن تيمية وهي عرض الأفكار وتحليلها ونقدها، إلا أنّ كل ذلك لم يوجب له عجلة في الحكم، ولا ظُلمًا للمخالف مهما كان، ومن الغريب أن يتحدث ابن تيمية عن المعتزلة وهم أشدّ الفرق الإسلامية مخالفة له، ومع ذلك لا يبخسهم حقهم فيصفهم بقوله أنّهم مع مخالفتهم: "نصروا الإسلام في مواطن كثيرة، وردّوا على الكفار بحجج عقلية. لم يكن أصل دينهم تكذيب الرسول، وردّ أخباره ونصوصه"درء التعارض بين العقل والنقل (2/105).​.

بل ذهب إلى أبعد من ذلك فعاب على ابن فورك الأشعري تكفيره للمعتزلة وتأليب السلطان عليهم، كما أكّد في معرض ردّه على ابن فورك على الرحمة بالمخالف فيقول: "كما قصد بنيسابور القيام على المعتزلة في استتابتهم، وكما كفرهم عند السلطان، ومن لم يعدل في خصومه ومنازعيه ويعذرهم بالخطأ في الاجتهاد بل ابتدع بدعة وعادى من خالفه فيها أو كفّره فإنه هو ظلم نفسه، وأهل السنة والعلم والإيمان يعلمون الحق ويرحمون الخلق، يتّبعون الرسول فلا يبتدعون. ومن اجتهد فأخطأ خطأ يعذره فيه الرسول عذروه"الفتاوى (16/96)..

وهذا الموقف لم يخصّ به المعتزلة كخصوم تقليدين، بل عمّمه مع جميع خصومه حتى من الأشاعرة والماتريدية، فبعد أن ذكر أقوالًا لأهل العلم في التحذير منهم، عقّب عليها بقوله: "إنّه ما من هؤلاء إلا مَن له في الإسلام مساعٍ مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الردّ على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على مَن عرف أحوالهم، وتكلّم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف"درء التعارض بين العقل والنقل (2/102)..

وحين تحدّث عن الشيعة لم يُسقط عليهم حكمًا عامًّا بالرغم مما هم عليه من الضلال وفساد المعتقد عوامًّا وعلماء، إلا أن العدل يقتضي التفريق بينهم بحسب أحوالهم، وقد بيّن تفاوتهم في ذلك، وهو يتحدث عن الشيعة الجعفرية فيقول: "كثير منهم ليسوا منافقين ولا كفارًا، بل بعضهم له إيمان وعمل صالح، ومنهم من هو مخطئ يُرجى له مغفرة الله"منهاج السنة النبوية (6/303)..

فها هو الرجل مع جميع خصومه يستعمل نفس الآلية وهي الرحمة والرفق، مع التحلي بالعدل والعلم والبعد عن التكفير بالظنيات والمتشابهات.

 

  • القضية الثانية: التأكيد على أخلاقيات التعامل مع المخالف

فقد كان كثيرًا ما يصرّح شيخ الإسلام بن تيمية بأهمية العدل والإنصاف مع المخالف أيًّا كان، ويبيّن أنّ ذلك هو منهج أهل السنّة والجماعة: "فأهل السنّة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم، فإنّ الظلم حرام مطلقًا كما تقدّم، بل أهل السنّة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض، وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضًا"منهاج السنة النبوية (5/157).​​.

وقد كانت هذه السّمة يُعرف بها عند تلامذته ومخالفيه مع الرفق بالمسلمين، والبعد عن الخوض في أعراضهم، يقول الحافظ شمس الدين الذهبي: "رأيت للأشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: اشهد عليّ أنّي لا أكفر أحدًا من أهل القبلة، لأنّ الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنّما هذا كله اختلاف العبارات.

قلت: أي -الذهبي- وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفّر أحدًا من الأمّة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)سنن ابن ماجه برقم (277)، قال الشيخ الألباني: صحيح. فمَنْ لازَمَ الصلوات بوضوء فهو مسلم"سير أعلام النبلاء (11/393)..

ولما رأى أخوه شرف الدين ابن تيمية -وكان معه في السجن- ما وقع عليه من الظلم من قِبَل خصومه ابتهل ودعا الله عليهم، فزجره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال بل قل: "اللهم هب لهم نورًا يهتدون به إلى الحق"ذيل طبقات الحنابلة (4/512)..

فكان هذا هو موقفه مع خصومه الذين كادوا له، وقد ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر، وليستدل به على غيره، وليقتدي به كلّ سُنّي مهتم بتراثه، باحث عن الحق قاصد إلى رحمة الخلق، فإذا تبيّن أنّ هذا موقفه من المخالف في أصول الدين فليس بمستغرب أن يكون موقفه من المخالف في الفروع أكثر رأفة ورحمة وعدلًا، وذلك ما سوف نفصله في العنوان الموالي.

 

ثالثًا: موقف ابن تيمية من المخالف في الفروع:

هذا الموقف يكفي في الاستدلال عليه مراجعة كتابه الفريد في بابه الموسوم بـ"رفع الملام عن الأئمة الأعلام" فقد قرّر في هذا الكتاب عدّة أمور هي أعذار للمخالف في الفروع، بدأ فيه أولًا: بالتأكيد على وجوب محبّة العلماء وموالاتهم وذكر فضائلهم، وبيّن "أنه يجب على المسلمين -بعد موالاة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم- موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن، خصوصًا العلماء، الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم، يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر. وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، إذ كلّ أمة -قبل مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- فعلماؤها شرارها، إلا المسلمين فإنّ علماءهم خيارهم، فإنّهم خلفاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أمته، والمحيون لما مات من سنته، بهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا"رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص 8)..

ثم بيّن بعد ذلك أعذارهم في مخالفة الدليل، "وأنهم متّفقون اتفاقًا يقينيًّا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أنّ كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وُجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه. وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:

أحدها: عدم اعتقاده أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله.

والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.

والثالث: اعتقاده أنّ ذلك الحكم منسوخ"المصدر السابق (ص9)..

وذكر الأعذار المانعة لِلُحُوقِ الوعيد بالمسلم في معرض حديثه عن الاجتهاد الذي قد يُخطَّـأ صاحبه، فيرد الحديث الصحيح، أو يتأول الحديث إلى غير ذلك، مما هو جار على ألسنة العلماء في أبواب الأحكام وموارد الخلاف، وأنّه لا تأثيم في المسألة لاحتمال العذر فقال: "حيث قُدِّرَ قيام الموجب للوعيد، فإنّ الحكم يتخلّف عنه لمانع، وموانع لحوق الوعيد متعددة: منها: التوبة، ومنها: الاستغفار، ومنها: الحسنات الماحية للسيئات، ومنها: بلاء الدنيا ومصائبها، ومنها: شفاعة شفيع مطاع، ومنها: رحمة أرحم الراحمين"المصدر السابق (ص 42)..

ووضّح بكل جلاء اعتقاده في أئمة الإسلام، وأنّه وإن كان لا يعتقد عصمتهم ويرى وجوب تقديم قول الله وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم- على أقوالهم، فإنّ ذلك لا يمنعه من التماس العذر لهم، واعتقاد فضلهم وأسبقيتهم على غيرهم فيقول: "فإنّا لا نعتقد في القوم العصمة، بل نُجَوِّزُ عليهم الذنوب، ونرجو لهم -مع ذلك- أعلى الدرجات، لما اختصهم الله به من الأعمال الصالحة والأحوال السنية، وإنّهم لم يكونوا مصرّين على ذنب، وليسوا بأعلى درجة من الصحابة رضي الله عنهم، والقول فيهم كذلك فيما اجتهدوا فيه من الفتاوى والقضايا، والدماء التي كانت بينهم -رضي الله عنهم-وغير ذلك، ثم إنّنا مع العلم بأنّ التارك الموصوف [أي التارك للعمل بحديث من الأحاديث] معذورٌ، بل مأجور، لا يمنعنا أن نتبع الأحاديث الصحيحة التي لا نعلم لها معارضًا يدفعها، وأن نعتقد وجوب العمل على الأمّة، ووجوب تبليغها، وهذا مما لا يختلف العلماء فيه"المصدر السابق (ص54).​.

فهذه أمثلة حيّة يهتدي بها الساري على طريق العلماء من أهل السنة، ويتبيّن بها الفرق بين التمسك بالحق والتعصب للقول، وأنّ الأمر بالمعروف لابد أن يكون بمعروف، وإنكار المنكر لا يستلزم أن يكون بمنكر، ويُعدّ شيخ الإسلام انطلاقًا من النماذج التي قدمنا من حياته ومواقفه، نموذجًا حيًّا للعالم الذي يتبع الحق ويرحم الخلق.

 

خاتـمة:

ونحن نحاول بهذه الورقة، ولا شك أنها جهد مقل، أن نضع لبنة ترميم للبناء السني الذي أجهده الخلاف، وأتى على قواعده اتباع الهوى من بعض منتسبيه، عسى الله أن يُقَرِّبَ بها من كان بعيدًا من إخوانه، ويرحم بها مظلومًا لم يُفهم قصده، فَصُنِّفَ تصنيفًا ظالما جائرًا، كما أنّها تبيان لمنهج قد اندرس، وتشييد لبنيان عفى رسمه، ألا وهو أخلاق الخلاف وصلة رحم العلم بين أهله ومنتسبيه، ولعل المختلفين ممن نسوا أو تناسوا هذا المنهج أن يتذكَّرَ عالمُهم ويفيق جاهلهم، فيردّ الحقوق إلى أصحابها، ويرحم أمة البشير صلى الله عليه وسلم، فيجمع بين النفوس المتنافرة، ويؤلّف بين القلوب المتفرقة، ويتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، ويخلص النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فيما اختلف معهم فيه أو عجز عنه، كما قال الله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[التوبة: 91].

ونتمنى من الدعاة والعلماء وأصحاب الرأي والساسة، أن يكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر، متواصين بالصبر على الحق، وبالمرحمة بالناس، وقد تبين للقارئ الكريم في هذه الورقة أنّ الخلاف أنواع كما المختلفون أقسام، وهذا التفاوت بين المختلفين يوجب التفاوت في الحكم عليهم، كما أنّ للخلاف أخلاقًا لا يسع المسلم جهلها، كما لا يسعه تركها، وأي ترك لها أو تقصير فيها يخرجه عن دائرة الاتباع إلى دائرة اتباع الهوى، وأخطر أخلاق الخلاف المذمومة البغي والظلم والتعصب، كما أنّ أحسنها وأزكاها عند الله الرحمة والعدل والإحسان: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون}[النحل: 90].

 

المصدر: سلف للبحوث والدراسات

 

 

 

الهوامش

 

1 - رواه مالك في الموطأ برقم (864).
2 - تفسير ابن عطية (2/120).
3 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص (147).
4 - سنن أبي داود برقم (4598).
5 - الموافقات للشاطبي (4/189).
6 - الموافقات (4/64).
7 - نظم بو طليحية للنابغة القلاوي (ص 64)، قوله: أجيحا: الجوح الاستئصال. اللسان (2/120).
8 - نشر البنود (2/277).
9 - ينظر: حجة الله للدهلوي (1/36).
10 - إجمال الإصابة في أقوال الصحابة (ص 80).
11 - المغني (1/120).
12 - الفتاوى (3/227-228).
13 - الفتاوى (3/271).
14 - ينظر: البداية والنهاية لابن كثير (14/54).
15 - الفتاوى (28/54-55).
16 - الفتاوى (3/254).
17 - ينظر: الردّ على البكري (ص 260).
18 - الاستغاثة في الردّ على البكري (ص 358).
19 - درء التعارض بين العقل والنقل (2/105).
20 - الفتاوى (16/96).
21 - درء التعارض بين العقل والنقل (2/102).
22 - منهاج السنة النبوية (6/303).
23 - منهاج السنة النبوية (5/157).​​
24 - سنن ابن ماجه برقم (277)، قال الشيخ الألباني: صحيح.
25 - سير أعلام النبلاء (11/393).
26 - ذيل طبقات الحنابلة (4/512).
27 - رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص 8).
28 - المصدر السابق (ص9).
29 - المصدر السابق (ص 42).
30 - المصدر السابق (ص54).

إضافة تعليق جديد