الأحد 22 ديسمبر 2024 الموافق 20 جمادي الثاني 1446 هـ

حكم الانضمام لصفوف جيش النظام وفيالق الاحتلال

26 رمضان 1440 هـ


عدد الزيارات : 2683
المجلس الإسلامي السوري

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال:

ينضم العديد مِن الشباب إلى جيش النظام للخدمة فيه، وكثيراً ما يشاركون في حملات الدهم والتفتيش والاعتقالات التي يقوم بها، بل إنهم يشاركون في معاركه ضد الثوار وخاصة في الشمال السوري حالياً، وذلك بحجة أن النظام يسوقهم بالإجبار للخدمة، ومنهم من يشارك طواعية بحجة أنه لا يريد الخروج من البلاد أو ترك بيته وأقاربه وممتلكاته، كما يشارك البعض في الفيالق والتشكيلات التي يُنشئها المحتل الروسي في المناطق التي استعادها مؤخراً من الثوار بحجة حفظ الأمن، أو حمايتها من دخول النظام، ونحو ذلك، فما حكم هذا الانضمام جزيتم خيراً؟

 

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، فالانضمام لجيش النظام والقتال في صفوفه مِن أشدّ المحرمات، وأعظم الجرائم، وهو من إعانة الكافر والمحتل الأجنبي وموالاته على المسلمين، ويجب إنقاذ النفس مِن ذلك بكل سبيل، وبيانُ ذلك فيما يلي:

أولاً:

لا يخفى حال النظام وجيشه من محاربة دين الله، والإجرام في حق المسلمين ودمائهم وأموالهم وأعراضهم، وتمكين الأعداء من احتلال البلاد، والعبث بدين الناس وهوية البلاد، فالواجب تجاهه: مقاومته ومجاهدته ومدافعته بكل وسيلة مشروعة، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]. أما إعانته في حربه ضد المسلمين وضد الشعب المظلوم بأي طريقة مِن الطرق فهو مشاركة له في جرائمه، وموالاة له، ومَن فعل شيئاً مِن ذلك فقد تقحّم أسباب سخط الجبار ودخول النار، ويُخشى عليه أن يصل به الأمر إلى الانسلاخ مِن الدين، والانخلاع مِن ربقة الإسلام عياذاً بالله، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ [هود: 113]،

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  (مَنْ أَعَانَ بَاطِلًا لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقًّا، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه الحاكم، ومن قُتل في صف النظام: فليست له أحكام الشهيد، ولا يُعزى به أهلُه.

ثانياً:

مَن خشي على نفسه التجنيد في صفوف النظام فيجب عليه تجنُّب ذلك بكل طريق ممكنة، ولو بالاختفاء أو الانتقال مِن بلده إلى بلدةٍ أخرى أو إلى المناطق المحررة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا  فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97]. أما تفضيل حب البلاد، أو الأملاك، أو البقاء مع العائلة والأقارب، على رضوان الله ومشقة النجاة بالدين: فقد توعد الله فاعلها بالعذاب الأليم، فقال سبحانه: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].

ثالثاً:

مَن وقع في يد النظام وأُكره على الخروج مع جيشه: فلا يجوز له القتال في صفه، ولا المشاركة في أي من أعماله ضد المسلمين، إذ لا تجوز طاعة أحد في قتل المسلمين أو الاعتداء عليهم، ولو كان في ذلك خشية القتل أو الاعتقال، فالإكراه لا يجيز الاعتداء على الآخرين. قال ابن العربي في «أحكام القرآن» [3/ 160] : "فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْبَلَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ".

وإلا فهو شريك للنظام في جرائمه، ويجوز للمجاهدين دفعه واستهدافه كبقية جنود النظام، لا فرق في ذلك بين المكره وغير المكره، ولو قُدر عليه فإنه محاسب على ما قام به من جرائم، ولو ادعى الإكراه، والواجب عليه أن يستنقذ نفسه من ذلك التجنيد والجيش بكل سبيل: بالفرار من الجيش، أو قتل أعداء الله من الضباط المسؤولين عنه، أو غير ذلك من الوسائل التي ينجو بها من هذا البلاء، وإن قُدّر أنه قتل حال تخلّصه وفراره فنحسبه شهيدًا عند الله تعالى، ربح الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 100]، وإن قُتل مشاركاً للنظام في حرب الشعب فقد خسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله، وإن عاش فهي عيشة الأذلاء مع ما ينتظره في الآخرة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وقَالَ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبٌ عَلَى جَبْهَتِهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) رواه البيهقي.

رابعاً:

جميع ما سبق ينطبق على كلِّ مَن التحق بالفيالق والتشكيلات التي ينشئها المحتل الروسي أو الإيراني، سواء كانت تحت اسم حفظ النظام، أو الحفاظ على أمن تلك المناطق، وغيرها مِن الدعاوى الكاذبة، فالتسويات الأمنية التي تتضمّن الإقرار بمشروعية النظام، والتراجع عن معارضته، والإقرار على النّفس بخطأ الثورة عليه، وما يترتب عليها من المشاركة في الأعمال الأمنية والعسكرية ضد الثوار، أو التغرير بالناس للدخول في هذه التسويات: محرمةٌ أشد التحريم، لما فيها مِن الدُّخول تحت حكم النظام، وإعانته على استعادة سلطته، كما أن فيها تقوية حكم المحتل الأجنبي والميليشيات الطائفية، والمشاركة في الاعتداء على الآمنين والمعصومين، وجميع ذلك من موالاته والركون إليه، التي يخشى أن تصل للكفر والعياذ بالله.

وأخيراً:

فإننا قد خبرنا النظام والمحتل الأجنبي لسنوات، فإنهم سرعان ما يغدرون بمن ينضم إليهم ويسوّي وضعه معهم، ويدفعون بشباب أهل السنة المنضمين لهم في أتون المعارك ليكونوا محرقة لحروبهم ومشاريعهم الخبيثة، فالانضمام لهم والوثوق بهم سرابٌ سرعان ما ينكشف كذبه، لذا فإننا ندعو كلَّ من انضم أو يفكر في الانضمام لجيش النظام أو تشكيلات المحتل أن يستنقذ نفسه من غضب الله ولعنته، وندعو أولياء هؤلاء الشباب أن يستنقذوا أبناءهم من النار، إن أحبوا لهم الخير بحق، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].

نسأل الله تعالى في هذا الشهر الفضيل أن ينصر المجاهدين في سبيله، وأن يهزم هذا النظام المجرم وأحلافه، وأن يوفق شباب المسلمين لما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم، والحمد لله رب العالمين.


وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء
  1. الشيخ أحمد حوى
  2. الشيخ أسامة الرفاعي
  3. الشيخ أيمن هاروش
  4. الشيخ عبد الرحمن بكور
  5. الشيخ عبد العزيز الخطيب
  6. الشيخ عبد العليم عبد الله
  7. الشيخ عبد المجيد البيانوني
  8. الشيخ علي نايف الشحود
  9. الشيخ عماد الدين خيتي
  10. الشيخ محمد معاذ الخن

 

 

 

إضافة تعليق جديد